غادر اللواء عباس إبراهيم المديرية العامة للأمن العام في حفل تكريمي أقيم في المركز الرئيسي للمديرية في بيروت، جرت في خلاله مراسم حفل الوداع للواء.
وكان سبق مغادرة اللواء لقاء جمعه بضباط المديرية، وألقى العميد إلياس البيسري كلمة قال فيها: "ترددت كثيرا قبل ان أقرر التكلم في حضرتكم، وانتم سيد الكلام والمواقف. ولكن لا يمكنني، ورفاقي في المديرية، ألاّ تمر هذه المناسبة من دون أن نوفيك القليل القليل مقابل ما انجزتموه خلال توليكم قيادة المديرية العامة للامن العام.
سعادة اللواء..لقد اعطيتم المديرية كل خبراتكم وجهدكم ووقتكم. وظفتم مسيرتكم الطويلة المبنية على الصدق والثقة، من اجل اعلاء شأن المديرية بشرا وحجرا ودورا. استطعتم بارادة ثابتة، وعلى الرغم من كل الصعاب والتحديات، من نقل المديرية الى مصاف المؤسسات العالمية في التنظيم والادارة والكفاءة. لذلك، لا أغالي في القول ان الامن العام خسر بانتقالكم من هذا الموقع، لكنك لم ولن تخسره.
سعادة اللواء..وانا أقف لاخاطبكم اليوم، فانني لا أتوجه بالكلام الى رجل عادي، إنما الى شخصية استثنائية جمعت مآثر الكرامة والعزة والعنفوان، وكنتم الاداري الاول في تنظيم المديرية ووضعتم الاساسات الرئيسية لتحويلها الى أمن عام من دون ورق، وبفضلكم انتشر الامن العام على مساحة الوطن عبر استحداث وانشاء مكاتب ودوائر ومراكز ومقار جديدة.
كنتم الانساني الاول، عندما رفضتم ابقاء الموقوفين موقتا تحت جسر العدلية، وقررتم نقلهم الى مكان يليق بالانسان، وحررتم المخطوفين والاسرى وأعدتموهم الى اهلهم وبلدهم.
كنتم الامني الاول، فوقفتم سدا منيعا في وجه الارهاب والجريمة المنظمة، وصد العدو الاسرائيلي وتوقيف عملائه وجواسيسه، وعملتم على وأد الاحداث التي حاولت قوى الشر اشعالها في لبنان وبين اللبنانيين.
كنتم من الاوائل في اعتماد الامن الاستباقي، الذي حمى لبنان في حقبة خطيرة من تاريخ المنطقة، ومنع الى حد كبير طغيان الارهاب على واقع لبنان بحاضره ومستقبله.
كنتم السياسي الاول، فعملتم على تدوير الزوايا وتقريب المسافات بين الافرقاء، وساعدتم في تذليل الصعوبات من أجل التخفيف عن كاهل المواطنين، وحولتم المستحيل الى ممكن والممكن الى واقع، من خلال ابتداع الافكار الخلاقة والحلول الناجعة لكل القضايا والملفات التي انطوت على تعقيدات بنسب مختلفة.
كنتم الرسول بين لبنان وأشقائه العرب والدول الصديقة، عاكسا صورة مشرقة للبنان الذي يجب ان يكون، بعدما حجبته أكثر من غمامة سوداء عن انعكاسه الطبيعي على محيطه والعالم كوطن حوار وسلام وحرية مسؤولة، وبالفعل كنتم صلة الوصل بين الشرق والغرب.
سعادة اللواء.. لان لائحة المزايا والصفات والانجازات تطول، ومهما تحدثنا لن نوفيكم حقكم في كل ما قمتم به وان شاء الله ستستمرون، لا يسعني الا ان أعدك باسمي وباسم رفاقي الضباط وكل عسكريي الامن العام، ان نسعى بكل ما اوتينا من قوة وعزم وارادة من اجل ان نبقى على خطاكم في عملنا داخل المديرية، ولكي نكمل الخطط التي وضعتها والتي حالت الظروف القاهرة، اعتبارا من ملف النازحين السوريين، الى جائحة كورونا، الى الانهيار الاقتصادي والمالي، من استكمال تنفيذها. وسنكون على قدر المسؤولية والثقة اللتين منحتهما لنا.
سعادة اللواء.. ثقتي وايماني انك ستبقى مشرقا كوجه لبنان الجميل، وثقتي ايضا، ان نور الايمان الذي ينبض في كل حناياك، سيجعلك تقدم من دون انتظار للانقاذ وحماية لبنان، ايها العاشق للبنان".
رسالة اللواء للضباط والعناصر
ثم تلا المقدم علي ترمس النشرة التوجيهية لضباط وعناصر المديرية في رسالة من اللواء إبراهيم اليهم، جاء فيها:
ايها العسكريون، اثنتا عشرة عاما انقضت في مسيرتي في المديرية العامة للامن العام، كانت وما زالت حافلة بالتحديات الجسام، استطعنا تطويعها بالفكر والعزم والارادة تحت سقف المصلحة اللبنانية العليا.
اثنتا عشرة عاما تختصر مسيرة في عمر الامن العام، حيث الارتقاء الى الخدمة والتضحية. عملنا تحت سقف القانون، قمنا بمهام متعددة، نجحنا في مضامير ولم تسعفنا التعقيدات في مضامير أخرى.
لم نستسلم، كان لنا دور اساسي على مختلف الصعد والمستويات، وكانت لكم تضحيات تجلت في الاستشهاد ذودا عن لبنان واللبنانيين.
ايها العسكريون، ما حققناه من نجاح كان نتاج العمل الجماعي والمتخصص والهادف، يعود هذا النجاح اليكم، إذ قدمتم النموذج في بناء المؤسسات واستمرارها وتطورها، من خلال التزامكم القانون والاخلاقية الوظيفة.
هي حقبة عشناها في ظل ظروف كارثية على الوطن وضمنه الامن العام. بدأت مع طلائع النزوح السوري ومواجهة هذا التحدي الكبير ومعالجة اثاره الكارثية على كافة الصعد، نتيجة التدفق الكبير لاعداد النازحين الذين دخلوا لبنان جراء الحرب السورية، الى التصدي للتنظيمات الارهابية التي حاولت ان تعيد لبنان الى زمن الفتنة والتشرذم والتفكك، فعاثت في الارض ارهابا اجراميا استهدف بنية الدولة وشعبها الآمن، مع اولوية الاستمرار في المواجهة المفتوحة مع العدو الاسرائيلي، الذي ما انفك يستهدف ساحتنا بعمليات التجنيد للجواسيس والعمل على ضرب كل نقاط قوة لبنان.
ايها العسكريون، لاننا نؤمن بأن لا قيامة من دون تضحية، فان تحديات كبيرة لا تزال تنتظركم داخليا واداريا، في مقدمها كيفية الحفاظ على مؤسسة الامن العام وتطويرها وتعزيز اداء العسكريين فيها، في موازاة تأمين الخدمات المطلوبة، وجبه التحديات الامنية وكل ما هو يهدد لبنان ونظامه وعيشه الذي يترنح في ظل استحضار خطاب التحريض الطائفي والمذهبي، ولغة العنف وبث الكراهية، ناهيك بالارهاب التكفيري والجرائم المنظمة، خصوصا تلك التي تستهدف تدمير الاجيال الصاعدة من خلال آفة المخدرات وضرب مفاهيم المجتمع المبنية على الاخلاق والقيم والحق الانساني. فالمحافظة على الانسان وقيمته الوجودية مسؤولية كبيرة جدا وواجب كونهما يحددان مستقبل الوطن وقوته ومناعته ويرسمان اطر العلاقة بين مكوناته.
ايها العسكريون، اعلموا أن الأزمات المستعصية التي تلف المنطقة والعالم بأسره، وعدم وجود آفاق واضحة للخروج منها في المدى القريب، إلى جانب استمرار الانقسامات الداخلية المريبة التي تسببت بالشغور الرئاسي وحالت دون انتظام عمل المؤسسات الدستورية، ومنعت تداول السلطة كما يوجبه الدستور، كلها عوامل تتطلب منكم أكثر من أي وقت مضى رص الصفوف والجهوزية الكاملة للحفاظ على وحدة الوطن وسلامة أراضيه ومسيرة سلمه الأهلي، واضعين نصب العيون أن قوة مؤسستكم تكمن في حمايتها وصونها للبقاء على وحدتها وتماسكها، وفي التفاف الشعب حولها، والتزامها تطبيق القوانين والتعليمات التي تصون الدولة ومؤسساتها.
ايها العسكريون، لبنان أحوج ما يكون الى اطلاق حوار وطني حول القضايا التي تشغل المواطنين، واي خلاف في وجهات النظر لا يمكن ان يحل الا بالحوار الذي يجب ان يكون ميدانه المؤسسات الشرعية والدستورية القائمة. هذا ما يجب ان يكون عليه الخيار، اما الرهانات فقد تعرض الوطن للشلل والسقوط، وتشرع أبوابه للتدخلات الخارجية. فهل نقفز فوق الدستور والقوانين وروح التوافق خدمة لرؤية خاصة ومصلحة ذاتية ووصاية خارجية، تقسم أبناء الوطن بدل ان توحدهم؟
أيها العسكريون، أدعوكم اليوم الى الاستمرار في العزيمة ذاتها لتطوير المؤسسة التي نقلناها الى مصاف مثيلاتها في الدول المتطورة، والا تهنوا او تضعفوا لان الاستمرار هو نهج حياة وسمتها. أدعوكم إلى ترسيخ إيمانكم بهذا الوطن، فأنتم من حماته من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن البحر إلى الحدود الشرقية. أنتم من نبض عنفوانه وضمان استمراره وأمل غده الواعد.
ثم كانت كلمة اللواء إبراهيم، أكد فيها للضباط وللعسكريين انه "سيبقى الى جانبهم وجانب عائلاتهم،د دعا فيها "العسكريين ان يحافظوا على الامانة التي سيتركها.
وقال اللواء ابراهيم:"بعد ما قيل لا اعتقد ان شيئا سأزيده في المناسبة، وقبل مغادرة المديرية كان لا بد من اللقاء بكم. منذ 12 عاما كنا هنا وقلت انا سأعمل لمديرية تفتخرون بها. وانا الان افتخر بكم كنتم نعم السند ونعم العضد.
وقال: "ظروف البلد حتمت علي السفر، وكنت أعتبر كل شخص منكم كان مؤتمنا وهذه الروح هي التي يجب ان ترافقكم. فلا تقللوا من قيمة أنفسكم والمديرية أعطت مثالا كيف تعمل لمصلحة البلد. والشعب اللبناني أصبح يؤمن انها الملاذ الآمن وتعيد كل صاحب حق الى حقه".
وفي دردشة مع الاعلاميين، قال اللواء ابراهيم ردا عن مدى الفراغ الرئاسي": "يخلق الله ما لا تعلمون. ولكني غير مطمئن".
وحول الحقيبة الوزارية التي يحب ان يتولاها، قال اللواء ابراهيم: الخارجية. وسأتابع العمل السياسي واي شيء يخدم لبنان ولن أوفر علاقاتي من اجل الوطن".
وأكد ردا على سؤال ان "بيتي سيبقى مفتوحا، كما كنت في الجيش والامن العام وسأبقى استمع الى هموم الناس ومعاناتهم وأقف الى جانبهم".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك