كتبت هيام القصيفي في "الأخبار":
قد يكون عام 2022 سنة الفراغ الرئاسي، لكنه ينتهي على محاولة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي التقدم في المشهد السياسي إلى الصف الأول، من خلال تعويم حكومته، والتحضير للعودة إلى السراي مجدداً.
ربما كانت تسوية الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري أوضح التسويات المتعلقة بمصير رئاسة الحكومة. ولعلها أصبحت نموذجاً يُحتذى في مقاربة ملف رئاسة الجمهورية، بحيث أصبح ملف الرئاسة، من الآن وصاعداً، مرتبطاً برئاسة الحكومة، بما يُكرّس مقولة: إما أن يسيرا معاً أو يفشلا معاً، وأن لا انتخاب لرئيس للجمهورية إذا لم يتم اختيار رئيس الحكومة سلفاً.
هذه المعادلة تنسف أمرين:
أولاً، رئاسة الجمهورية التي وُضعت على الرفّ مهما كان اعتراض القوى المسيحية قوياً على تغييب الرئاسة، وإن كانت هذه القوى تتحمل قسطاً كبيراً من المسؤولية عن عدم انتخاب الرئيس الجديد.
ثانياً، نتائج الانتخابات النيابية وتسمية رئيس الحكومة وفق الاستشارات النيابية الملزمة، إذ إن أي رئيس للحكومة بعد انتخاب رئيس الجمهورية، يفترض أن تسميه الأكثرية النيابية المنبثقة من الانتخابات. وإذا كان يتوجب أن تكون معادلة انتخاب رئيس الجمهورية على هذا النحو أيضاً، إلا أن رئاسة الجمهورية أصبحت توافقية - بحكم توازنات مفروضة أو بحكم الأمر الواقع - لانتخاب رئيس يمثّل وحدة البلاد، فيما رئاسة الحكومة، كممثلة للسلطة التنفيذية، يُفترض أن تكون نتيجة تسمية الأكثرية النيابية، وليس عبر اختيار «الأقوى» أو «الأبرز» في طائفته بعدما انتفت نظرية الرئيس الأقوى في رئاسة الجمهورية.
دفاع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ومطالبته «برئيسين نزيهين للجمهورية والحكومة»، يؤكدان، بصورة لا لبس فيها، ما يتردد منذ أسابيع عن محاولة باريس تسويق ميقاتي رئيساً للحكومة المقبلة في أي تسوية أو ترتيبات في شأن الوضع اللبناني، تدخل فيها فرنسا وقطر مع السعودية وإيران. وإذا كانت تصريحات ماكرون بمجملها لم تلاق ردة فعل إيجابية في لبنان، وأثارت استياء في أوساط فرنسية فاعلة، إلا أن دفاعه عن دور ميقاتي وعدم تنازله «للذين اغتنوا في السنوات الأخيرة ويريدون البقاء ويقومون بالابتزاز»، يطرح علامات استفهام عن توقيت الحملة التسويقية الفرنسية وأهدافها، خصوصاً أن ميقاتي لا يلاقي إجماعاً سياسياً لبنانياً حول دوره وموقعه وثروته. علماً أن ماكرون هو من سعى، خلال زيارته للرياض في كانون الأول الماضي، لدى الأمير محمد بن سلمان للاتصال بميقاتي، وهو من ساهم أخيراً - بحسب تأكيدات أوساط غربية - في إقناع ولي العهد السعودي باستقبال رئيس الحكومة اللبنانية أخيراً.
ولا تتردّد دوائر لبنانية مطّلعة على مواقف فرنسية ضمن الإدارة الفرنسية في مقارنة مشهد ماكرون - ميقاتي مع مشهد جاك شيراك - رفيق الحريري، مع اختلاف الظروف والشخصيتين، علماً أن الحريري حينها لم يكن عرضة لحملة فرنسية داخلية مضادة كما يحصل مع ميقاتي في بعض وسائل الإعلام الفرنسية.
المشكلة في حملة ماكرون أنها تسعى إلى تظهير دور رئيس حكومة تصريف الأعمال كرئيس حكومة إنقاذية، رغم أن حكومة ميقاتي الذي أتى بضغط من ماكرون نفسه، هي التي تتولى السلطة التنفيذية منذ أكثر من سنة، من دون أن تقدم أي خريطة طريق إنقاذ سياسي أو اقتصادي أو مالي.
في المقابل، يتصرف ميقاتي على أنه الحجر الأساس في أي تسوية مقبلة يمكن أن تنتج عن الاتصالات الإقليمية، وهو في ذلك يراهن على مجموعة عوامل، منها إعادة تفعيل حكومته ولو بالحد الأدنى من العمل الحكومي، والإفادة من مرحلة الفراغ التي يبدو أنها ستكون طويلة بعدما أفلتت من أيدي اللبنانيين فرصة إجرائها محلياً، كي يتحول من رئيس حكومة تصريف أعمال إلى رئيس حكومة قائمة بحكم الأمر الواقع، مراهناً على أن القوى السياسية المناوئة له ستكون عاجلاً أم آجلاً في حاجة إلى تغطيته الحكومية، عندما يحين أوان استحقاقات مصيرية تتعلق بتسيير أمور الدولة ومصالح القوى السياسية الممثّلة في الحكومة. والرهان الآخر هو أن القوى التي تعارضه اليوم أو سبق أن رفضت تكليفه، لا يمكن أن تكرر تجربة الوقوف في وجه تكليفه مجدداً حين يصبح متقدماً أولَ، فلا تتكرر تجربة إبعاد الحريري عن السراي والساحة السُّنية. وهذا رهان يعوّل عليه داخلياً، بقدر اتكاله على قدرة رعاته الفرنسيين والإقليميين على فرض تسوية تأخذ في الاعتبار دوره الاقتصادي، خصوصاً أنه بدأ يضع أمام مسوّقي فكرة التسوية معالم طبخة حكومية، تقوم في جزء أساسي منها على الشق الاقتصادي. وهو، هنا، يضع أمام القوى السياسية تحدياً كبيراً بعودته على رأس حكومة شبيهة بالحالية التي تشهد منذ أكثر من سنة على بلد ينهار في كل يومياته الاقتصادية والمعيشية من دون أن يرفّ لها جفن.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك