كتبت زينب حمود في "الأخبار":
لا يتجاوز حجم الإنفاق على البحوث العلمية في الدول النامية الـ 4% من مجموع الإنفاق العام، وصرفت الدول العربية 750 مليون دولار للبحث والتطوير العلمي عام 2003، أي 0.3% من إجمالي ناتجها الوطني، بحسب تقرير صدر عن منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي عام 2006.
وشأنه شأن الدول النامية، استخفّ لبنان بأهمية البحث العلمي، ولم يُعر أي اهتمام لمراكز الأبحاث العلمية في المؤسسات الأكاديمية. فغابت هذه المراكز عن بعض الكليات في الجامعة اللبنانية لا سيّما تلك المتخصّصة بالعلوم الإنسانية، فيما استحدثت في بعضها الآخر مراكز، بالاسم فقطن من دون أن يعرف الطلاب والأساتذة بوجودها. فمركز الأبحاث في كلية الإعلام، مثلاً، تأسّس عام 2016، ولكن «لم يخصص له مكتب، فيما يضم فرقة بحثية واحدة فقط»، بحسب ما تؤكد رئيسة المركز وفاء أبو شقرا لـ «الأخبار»، لافتة إلى أن أول رئيسة للمركز، نهاوند القادري، «استقالت بسبب التباين بين تصورها لعمل المركز وتصور الجامعة له، فتُرك المركز من دون أي خطة عمل أو موازنة تشغيلية».
الأزمة الاقتصادية ضربت بشكل كبير مراكز أبحاث كليات العلوم التطبيقية في الجامعة، مثل كليات العلوم والطب والصحة والصيدلة والهندسة والزراعة وغيرها، لأن الكلفة التشغيلية لمختبراتها العلمية عالية، علماً أن الجامعة لا ترصد جزءاً من موازنتها لتشغيل المختبرات، بل تموّل المشاريع البحثية التي توافق عليها لجنة البحث العلمي في الإدارة المركزية. هكذا، تراجع عدد المشاريع البحثية في معظم المختبرات العلمية، و«منذ سنتين، لم نحصل على أي تمويل ملحوظ وتابعنا نشاطنا ضمن مسارات بحثية مشابهة»، بحسب مسؤولة مختبر المواد ذات الفعالية البيولوجية في كلية العلوم - الفرع الثاني، هيلانة جريج، مشيرة إلى أن «المختبر سيبقى مفتوحاً حتى تنفد المواد المتوافرة فيه».
يعزو رئيس الجامعة بسام بدران تراجع عدد المشاريع البحثية إلى تراجع قيمة المخصصات المالية لهذه المشاريع بفعل تدهور قيمة الليرة مقابل الدولار، مشيراً إلى أن «المشاريع البحثية كانت تتلقى تمويلاً يراوح بين 20 و30 مليون ليرة، ما كان قبل الأزمة يوازي 13 إلى 20 ألف دولار، ويكفي لتمويل المشروع البحثي. إلا أن هذا المبلغ اليوم يساوي أقل من ألف دولار ولا يكفي لشراء بعض المواد الأساسية الصغيرة في البحث العلمي. لذلك، وضعت الجامعة استراتيجية جديدة للبحوث العلمية تتمثل بـ«دمج المختبرات العلمية الصغيرة في تكتلات بحثية تعمل ضمن توجه وسياق بحثي موحد من أجل إنشاء مراكز أبحاث متخصصة في ما بعد». كيف تحلّ هذه الاستراتيجية مشكلة النقص في التمويل؟ يجيب بدران: «بدلاً من أن يعمل كل مختبر على توجّه بحثي يتطلب مواد ومعدات خاصة، تجمع الفرق البحثية مواردها المالية والعلمية لتجهيز مختبر واحد للمجموعة». ويرى بدران أن تراجع عدد المشاريع البحثية هو من «حسنات الأزمة» لأنها «ستدفع الباحثين في الجامعة إلى توحيد جهودهم في إدارة مشاريع مشتركة». بهذه الطريقة سيفكر الباحثون ملياً قبل المضي بأي خطوة بحثية تستنزف أموالاً، وستوفر الجامعة مبالغ كانت تنفقها المختبرات العلمية في مراكز الأبحاث.
إلى ذلك، تتحدث جريج عن الكلفة العالية للمعدات التي تتعرض للضرر إضافة إلى كلفة تصليح أي عطل يطرأ على الماكينات ما يجعل «الانهيار في المختبرات العلمية حتمياً ما لم يصار إلى إغاثتها». ولا يخفي بدران صعوبة الوضع في المختبرات العلمية ومراكز الأبحاث، لكنه يعوّل على جهود الأساتذة الذين يعملون «باللحم الحي» لضمان استمرارية العمل البحثي في الجامعة. كما يعوّل على كلية التكنولوجيا «لتخريج طلاب تقنيّين وفنيّين يعملون في صيانة المختبرات البحثية، ما يوفر على الجامعة مصاريف عقود الصيانة للتجهيزات المخبرية ويتيح الفرصة أمام متخرجيها للعمل في مختبراتها وصيانة مجمّعاتها».
وإلى جانب النقص في التمويل، يواجه البحث العلمي في لبنان تحديات أخرى. تروي جريج كيف أثرت أزمة انقطاع الكهرباء على عمل المختبر: «هناك ثلاجة واحدة تتغذى بالكهرباء 24/24 نضع فيها المواد التي تحتاج إلى برودة دائمة، وعندما انقطعت الكهرباء عن المختبر نقلنا بعض المواد الباهظة الثمن والتي قد تتعدى ألف يورو للملغرام الواحد إلى حيث كانت الكهرباء مؤمنة من دون انقطاع». تضاف إلى ذلك هجرة الكفاءات وتراجع إنتاجية الأستاذ الجامعي جراء الظروف الصعبة التي يمرّ بها. وتوضح أبو شقرا أن «عدداً كبيراً من الأساتذة الجامعيين يعدّون الجامعة مكاناً للتوظيف فقط، علماً أن تفرغ الأستاذ في الجامعة يعني أن يتفرغ للبحث العلمي فيحضر المؤتمرات ويُجري الأبحاث. لكن، كيف يكون البحث العلمي أولوية في وقتنا الراهن وسط الأزمات التي تعصف بالبلاد وبالجامعة اللبنانية على وجه الخصوص؟ علماً أن البحث العلمي يحتاج إلى استقرار وهدوء وأستاذ شبعان».
واجه مركز أبحاث معهد العلوم الاجتماعية، أول مركز تأسس في الجامعة اللبنانية، التحديات نفسها التي واجهتها مراكز الأبحاث الأخرى، من تردي الأوضاع الصحية والاقتصادية والسياسية والأمنية، ومن ضعف الموازنات التي «بلغت قيمتها السنوية هذا العام 12 مليون ليرة»، وفق رئيس المركز حسين أبو رضا. لكن المركز «انتفض من تحت الخراب كطائر الفينيق»، على ما قال أبو رضا. فقد «شكلنا فرقاً في المختبرات العشرة المتخصصة في المركز، وعقدنا لقاءات دورية مع منسقي المختبرات خلصت إلى تبني الأزمة الاقتصادية اللبنانية الحالية وتداعياتها المجتمعية محوراً بحثياً رئيساً للعام الماضي». وبفعل العمل التطوعي للأساتذة التسعين في المركز وتكبّدهم التكاليف على نفقتهم الخاصة، أجرى المركز 27 بحثاً علمياً حول الظواهر المنتشرة في المجتمع اللبناني، من بينها: العنف الأسري، البطالة، الهجرة، ارتفاع نسبة الجريمة، المشكلات النفسية، فعالية المناهج التربوية جراء التعليم عن بعد، التغيير في العادات والتقاليد في ظل كورونا والأزمة الاقتصادية، وغيرها. عدا عن تنظيم 27 نشاطاً العام الماضي، بين ندوات ومحاضرات وورش تدريبية ومؤتمرات وعروض فرق بحثية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك