كتبت أنديرا مطر في "القبس":
أن تصادف رجلاً أو سيدة في إحدى الصيدليات يسأل عن سعر الدواء ويخرج خائباً ذليلاً من دونه، أو يضطر إلى رد دواء يحتاجه بعدما اكتشف أن سعره يفوق قدرته على شرائه، فذلك أسوأ ما يمكن أن تشاهده.
في لبنان اليوم أصبح شعار المرحلة: يُحفظ الدواء بعيداً عن متناول الفقراء!
بعد مفاوضات واجتماعات متواصلة، ومن دون الإعلان رسمياً عنها، صدرت يوم الإثنين الفائت لائحة الأسعار الجديدة للدواء، بعد رفع الدعم الجزئي، وفق خطة «ترشيد الدعم» التي أطلقها وزيرالصحة فراس أبيض، من دون أن ترافقها أي خطة بديلة للتغطية الصحية وتأمين الدواء ومع استمرار المماطلة في إقرار البطاقة التمويلية الموعودة منذ أشهر.
وبعد رفع الدعم عن المواد الغذائية ولاحقاً المحروقات، وصلت تداعيات الأزمة المالية إلى صحة اللبناني وحياته، فبعدما كان مصرف لبنان يخصص 130 مليون دولار لدعم الأدوية والمستلزمات الطبية، بات يخصص 35 مليوناً، منها 10 ملايين للمستلزمات الطبية بعد الترشيد.
الدواء من الكماليات
«سيجعلوننا نصرخ حتى نموت وجعاً وقهراً»، تقول سيدة ستينية داخل إحدى الصيدليات في منطقة كسروان وهي تحمل وصفة طبية تتضمن دواءين لها ولزوجها الكهل، واحداً لترقق العظام، وآخر لارتفاع ضغط الدم.
تقول لـ القبس: «تخلينا عن كثير من الأساسيات في المأكل والملبس، ولكن أن يصبح الدواء من الكماليات التي نحلم بشرائها، فهذه جريمة بحقنا أفظع من كل الجرائم التي ارتكبوها».
تعرض السيدة علينا علبة دواء وهي مذهولة «هل يمكن أن يرتفع سعر دواء من 18 ألف ليرة إلى 126 ألفاً في غضون أيام قليلة؟».
الضغط والسكر
رفع الدعم طال بصورة خاصة الأمراض المزمنة، مثل السكري وضغط الدم والكوليسترول وترقق العظام، وهذه أدوية مستدامة لا يمكن للمريض أن يهملها ويكاد لا يخلو منزل لبناني منها، إلى جانب أدوية الأعصاب وتنظيم دقات القلب التي تلازم معظم اللبنانيين منذ انقلاب حياتهم رأساً على عقب جراء أسوأ أزمة مالية اقتصادية عصفت بلبنان قبل سنتين.
وفق جدول وزارة الصحة الجديد، سجّلت أدوية السكري ارتفاعاً تخطّت نسبته %80، فيما بلغ سعر عبوة حليب الأطفال الصغيرة 94 ألف ليرة، وعلى سبيل المثال ارتفع سعر دواء ACTOS من 26 ألف ليرة إلى 185 ألف ليرة، وأنسولين ريزوديغ من 183 ألفاً إلى 733 ألف ليرة، وغالفس مت الذي كان قبل أيام بـ75 ألف ليرة أصبح اليوم 453 ألف ليرة. أما علبة البانادول، فتباع بـ68 ألف ليرة.
يعمل ليشتري دواءه
تعرض فاطمة فرحات لائحة بالأدوية التي يحتاجها والدها شهرياً. تحسب الأسعار بعد رفع الدعم، فتأتي المحصلة 988 ألف ليرة، وتقول لـ "القبس": بهذا المبلغ أصبح والدي يعمل ليشتري دواءه.
فاطمة ممرضة في أحد مستشفيات بيروت وتتقاضى راتبها بالعملة الوطنية. والدها لا يزال يعمل ويتقاضى مليوناً ونصف المليون ليرة شهرياً، وهو مريض سكري وضغط، ويحتاج إلى أدوية لعلاجهما، إضافة إلى دواء سيلان الدم.
قبل رفع الدعم كانت كلفة الأدوية الشهرية لوالد فاطمة بحدود 200 ألف ليرة. اليوم لامست المليون أي ثلاثة أرباع راتبه.
بهذه الكلفة ستضطر العائلة للتحول عن أدوية "البراند" أو "الجنريك" لمصلحة الدواء الايراني أو السوري الذي بات يغزو السوق اللبناني لأنه أقل ثمناً.
"قبل الأزمة المالية كنا نشتري الدواء البراند كونه كان مدعوماً فضلاً عن أن الضمان الاجتماعي كان يغطي %85 من ثمنه، أما الدواء السوري او الايراني فليس مشمولا بتغطية الضمان" تقول فاطمة.
ليست هذه الأدوية فقط ما تحتاج اليها عائلة فاطمة. فوالدتها تحتاج دواء شهرياً كان ثمنه 25 ألف ليرة وأصبح اليوم بـ 250 ألفاً. أما الفيتامينات والمكملات وأدوية مسكنات الأوجاع الطارئة والموجودة في كل منزل تقريباً «فعلينا التعود على نسيانها»، تقول فاطمة.
أوجاع مضاعفة
يروي حسين المقداد لـ "القبس" معاناته وهو يجول على الصيدليات سائلاً عن أسعار الدواء لوالدته ويقول: "والدتي تضاعفت أوجاعها حين علمت برفع الدعم عن الأدوية المزمنة وهي التي تحتاج إلى اكثر من عشرة ادوية".
يتخوف حسين العامل في أحد المطاعم من أن تعمد والدته الى اخفاء انتهاء دواء ما من أدويتها كي لا تكبده نصف راتبه ثمنا له. ويقول بغصة: "انهم يقتلوننا.. اتركوا اهلنا يعيشون ما تبقى من أعمارهم بسلام ومن دون قهر".
ويضيف: "رفعوا الدعم عن المحروقات قلنا نجلس في البيوت، عن السلع الغذائية تخلينا عن أصناف كثيرة ولا نأكل الا ما هو أساسي.. الكهرباء لا نراها قلنا نجلس على العتمة. أما الدواء.. استكتروا علينا حبة الدواء".
لبنان.. قندهار
صاحب إحدى الصيدليات في منطقة ذوق مصبح قال لـ القبس «لبنان تحول من بلد السياحة الطبية الى قندهار.. 90 في المئة من اللبنانيين لن يكونوا قادرين على تحمل تكاليف الأدوية الخاصة بهم".
ويوضح لنا انه يتلقى في اليوم الواحد نحو ألف اتصال من زبائن للصيدلية يسألون عن سعر الدواء ويبلغونه أنهم سيعاودون الاتصال متى تأمن سعر الدواء معهم وبعضهم يعتذر متحسراً.
في المقابل يشكو الصيدلي من فكرة راسخة في أذهان اللبنانيين وهي تعلقهم بالأدوية البراند. ويلفت إلى ان أدوية وطنية الصنع اقل كلفة من الأجنبية وهي بنفس التركيبة العلمية، لكن اللبناني يرفض اخذ الوطني لعدم ثقته بكل ما هو محلي.
دور الكارتيلات
الصحافية الاقتصادية محاسن مرسل تشير بدورها إلى "صدمة الناس من رفع الدعم عن الدواء في حين أننا نحصل على الدواء منذ مايو الماضي تحت مسمى السوق السوداء". وتضيف أن اكثر من %70 من الأدوية هي براند بينما يغيب الدعم عن الصناعة المحلية ذات الجودة العالية والقادرة على تغطية 60 إلى %70 من حاجة السوق، وبامكان المواطنين الاستعانة بالدواء الجنريك.. "لكن كارتيلات الدواء لا تقبل بهذا الأمر".
تهويل إعلامي!
في المقابل دائماً هناك رأي آخر، وهو ما عبرت عنه صيدلانية قللت من شأن الأزمة الراهنة، معتبرة أن التهويل الاعلامي ضخمها.
ولدى سؤالها عن ردة فعل الناس لدى معرفتهم بتحليق الأسعار، أجابت ببساطة: "من ليس لديه القدرة على شراء دوائه فليذهب الى المستوصفات والى الجمعيات الخيرية التي تؤمن دواء بديلا بكلفة ضئيلة".
وتقول إن الدواء البديل لم يرتفع سعره بنسبة كبيرة اذا كان وطنياً أو عربياً. وتروي أن احد الزبائن تتصل فيها منذ يومين من أجل دواء لوالدها وهم عائلة فقيرة لكنها لا تقبل الا بالبراند. "هذه ايضا معضلة تواجهنا"، متوقعة الذهاب الى رفع دعم كامل ليس في ما يتعلق بالأدوية فحسب بل بكل ما يتعلق بقطاعات الدولة مثل الكهرباء والجمارك والرسوم.
مقارنة بين السعر القديم والجديد لبعض أدوية الأمراض المزمنة
رفعت الدولة اللبنانية الدعم جزئياً عن أدوية الأمراض المزمنة بسبب عدم قدرة مصرف لبنان المركزي على الاستمرار بالدعم نتيجة الأزمة الاقتصادية والنقدية الحادة، الأمر الذي رآه معظم اللبنانيين مجزرة صحية ترتكب بحقهم بعدما أصبح أكثر من %70 منهم تحت خط الفقر.
ولم يسلم حليب الأطفال من يوم إلى سنة، من رفع الدعم، فبعد أن كان حليب الرضع مدعوماً وبسعر يتراوح بين 12 و 15 ألف ليرة لبنانية، ارتفع ثمنه إلى حدود 100 ألف ليرة لبنانية.
علماً أن أدوية الأمراض المزمنة كانت شبه مقطوعة عن الصيدليات، ومنذ نحو خمسة أشهر لم يستورد لبنان هذه الأدوية في حين كان معظم اللبنانيين يأتون بها من الخارج أو يحصلون على ادوية مهربة ومزورة.
وبحسب خطة الترشيد التي اعلنها وزير الصحة قسمت أدوية الأمراض المزمنة الى ثلاثة أقسام، أدوية غالية ووسط ورخيصة، الغالية دعمها لا يزال بنسبة %65، الوسط %45 والرخيصة بقي الدعم عليها بنسبة %25.
ويبين الجدول التالي مقارنة بين السعرين القديم والجديد لبعض أدوية الأمراض المزمنة
دواء السكري janmet ـ كان سعره 80 ألف ليرة أصبح 420 ألفاً
دواء السكري Jardiance كان سعره 80 ألفاً أصبح 476 ألفاً
دواء الأعصاب Amlor كان 23 ألفاً أصبح 133 ألفاً
دواء الغدة eutyhrox كان 23 ألفاً أصبح 113 ألفاً
فيتامين euro D كان 18 ألفاً أصبح 228 ألفاً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك