كتب رضا صوايا في "الأخبار":
حلّ موسم قطاف الزيتون وعصره، ومعه تعصر الدمعة في قلوب المستهلكين الذين أصبح التنعّم بخيرات الشجرة المباركة رفاهية لا تتوافر إلا لقلّة. فمع تخطّي سعر تنكة زيت الزيتون ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور، ولّى الزمن الذي كان فيه اللبنانيون يردّدون مع سيلان «الكنز الأصفر» من المعاصر «خبزي وزيتي عمارة بيتي».
«كنا نشتري تنكة زيت الزيتون بـ 150 ألف ليرة تقريباً، والتنكة أساساً لا تكفينا كعائلة. فكيف نشتريها اليوم بعدما وصل سعرها إلى مليونَي ليرة، فيما راتبي الشهري لا يشتري تنكة زيت؟». يصعب على نادين تقبّل فكرة أن «الزيتون الذي يطالعنا أينما تجوّلنا سنُحرم منه. يعني شوف ولا تدوق»!
لا تسعيرة موحّدة لتنكة زيت الزيتون لهذا الموسم بعد. فالمزارعون في انتظار تحديد الكلفة النهائية للإنتاج خصوصاً أنه «في كل لحظة تطالعنا مصيبة جديدة والكلفة ارتفعت كثيراً. ما من شيء محلّي في صناعة الزيتون إلا الشجرة. كل ما تبقّى يُسعّر بالدولار، من التنك والغالونات إلى الأسمدة الكيماوية والمحروقات ومعدات الزراعة وغيرها»، على ما يقول نسيم راجي المعلوف، وهو مصنّع زيت زيتون بكر وفائز عن هذه الفئة لعدة أعوام. وأوضح أن «يومية العامل كانت حوالى 30 ألف ليرة ولا تقل اليوم عن 100 ألف. سعر الـ 25 كيلوغراماً من الكيماوي نحو 18 دولاراً، وسعر التنكة الفارغة للتعبئة التي تتّسع لـ 15 كيلوغراماً أكثر من دولارين». ولفت الى أن «سعر تنكة الزيت عام 2019 كان حوالى 120 دولاراً. العام الماضي سعّرنا التنكة بأقل من 50 دولاراً. حالياً، ورغم أننا لم نبدأ بالعصر بعد، إلا أن سعر الجملة حالياً يُقدر بحوالى 70 دولاراً للتنكة، والمفرق بين 80 و85 دولاراً».
تؤكد روز بشارة بيريني، مؤسّسة شركة لزيت زيتون أن «زيت الزيتون سيصبح رفاهية ومن الكماليات للكثير من العائلات. التموّن بتنكة زيت سيصبح من التراث مع لجوء الغالبية الى الشراء بكميات صغيرة للاحتياجات الضرورية». وتضيف: «أتّكل على التصدير وإلا فإن الاعتماد على السوق المحليّة فقط شبه مستحيل. بعت العام الماضي بخسارة وبأقل من سعر الكلفة في لبنان. لم يكن هدفي هو الربح بقدر ما كان نشر منتجي وجعله متاحاً لأكبر قدر من المستهلكين. لكن يستحيل أن أتحمل خسارة إضافية هذا العام خصوصاً بعد أن احتُجزت أموالنا في المصارف، ما بات يفرض عليّ العمل بموارد قليلة. عليّ أن أربح ولو بشكل بسيط لأتمكن من الاستمرار».
سعر زيت الزيتون أثّر بشكل ملموس على الاستهلاك، بحسب المعلوف، «فالمطاعم التي كانت تطلب مني 4 تنكات شهرياً أصبحت تكتفي باثنتين فقط. ومن كانوا يشترون تنكة أو تنكتين أصبحوا يطلبون نصف تنكة أو غالوناً. أما بشارة فتشير إلى أن «الطلب لم يتأثر لأنني بعت بأقل من سعر الكلفة. ولو بعت بالسعر الأساسي لكنت لمست حتماً انخفاضاً كبيراً».
للمعاصر مساهمتها الكبيرة في ارتفاع سعر الزيت. يوضح سليم حوراني، وهو صاحب معصرة، أن «يومية العامل كانت تُراوح بين 35 ألف ليرة و50 ألفاً كحد أقصى. اليوم زادت إلى 150 ألف ليرة، إضافة إلى أكله وشربه. أما أكثر ما يستنزفنا فهو المازوت. كهرباء الدولة لا تأتي أكثر من ساعة أو ساعتين يومياً ما يضطرني لاستخدام مولّدي الخاص. أحتاج إلى 150 ليتراً من المازوت كل 10 ساعات أي حوالى مليونَي ليرة يومياً، من دون احتساب سعر قطع الغيار التي تحتاج إلى صيانة سنوية أو تلك التي قد تتعطّل».
وفي ظل انعدام الرقابة، تبرز مخاوف جديّة من أن يغزو الزيت «المضروب» والمهرّب السوق بأسعار رخيصة. وهناك «فضائح على المكشوف. بحسب حوراني، مشيراً الى أن «إحدى أبرز الشركات المحليّة تعرض في المتاجر غالون زيت زيتون سعة 2.5 كيلوغرام بـ 396 ألف ليرة. أي أن سعر التنكة مليونان و400 ألف ليرة. المفارقة أن تاريخ الإنتاج كما يظهر هو في شهر آب. أين يوجد إنتاج زيت زيتون في لبنان والعالم في شهر آب. البضاعة المعروضة تعود حكماً إلى مخزون العام الماضي».
ليس غياب رقابة الدولة فقط هو ما يزيد الأوضاع سوءاً، بل إن سوء إدارتها شجّع على الاحتكار كما في بقية القطاعات. وفقاً للمعلوف، «دعمت الدولة الكيماوي على أساس 4000 ليرة للدولار. لكن لم نعرف من جلب الكيماوي ولا أين يباع ولا أين يُوزع ولم نجد أي كيماوي مدعوم. وإن وجد فبكميات أقل مما نحتاج إليه، فيما ذهبت الكميات الباقية إلى السوق السوداء والمحظيين». فيما تسأل بشارة عن «مغزى قرار صدر العام الماضي عن وزير الزراعة واشترط الحصول على إذن للتصدير، خصوصاً أنه تمّت الموافقة على التصدير بالكميات التي تقدّمنا بها. فلماذا إرهاقنا ووضع العصي في الدواليب؟».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك