كتبت سينتيا سركيس في موقع mtv:
إن كنتم تظنون أن الأزمة في لبنان لم يعرفها التاريخ يوما، وأن فرص النجاة معدومة، فأنتم مخطئون… قوموا بجولة سريعة على تاريخ أنجح الاقتصادات في العالم، وستصدمون!
فكما أن قصص نجاحات الأفراد تبدأ بغالبيتها من العدم ومن عزم وثقة وذكاء، كذلك هي قصص الدول الرائدة، فهي أيضا بغالبيتها تأتي بعد انهيارات وأزمات… والأهمّ نتيجة إرادة صلبة بالتغيير.
لا تتحسّروا، ولا تيأسوا، بل تمعّنوا في تجارب دول، نفضت عنها الفقر والمعاناة وغيّرت مصيرها نحو الرفاهية، لتصبح مثالا يحتذى به لسلوك طريق النجاح.
سنغافورة: عانت الجزيرة التي تعتبر أصغر دولة في آسيا منذ استقلالها عام 1965، من غياب التخطيط، والفقر والجوع والفساد الإداري غير المسبوق في أجهزة الدولة، حتى أن معظم شعبها كان يقطن الصفائح المتهالكة. إرتكزت معجزة سنغافورة الاقتصادية على ضرب الفساد وتعزيز قطاع الصناعة وتشييد المدن الصناعية وجذب الاستثمار الاجنبي بضرائب منخفضة، مع التشديد على أهمية التعليم. كلّ ذلك جعلها اليوم من ضمن أغنى عشر دول في العالم متجاوزة الدول النفطية، ومن بين الأفضل عالميا من حيث مستوى التعليم.
السويد: نعم، فهذا البلد الذي يضرب المثل به اليوم من حيث مستوى العيش الكريم والرفاهية، كان قبل عشرات السنوات يعيش أسوأ أيامه، ما دفع بزهاء مليون ونصف سويدي إلى الهجرة بحثا عن حياة أفضل. إرتكزت "التجربة السويدية" على الابتكار والتجارة الحرة، ونتيجة تسوية تمت بين القطاعين العام والخاص، وصولا إلى التركيز على التجارة الخارجية. واليوم، تمثل الصادرات حوالى 50 في المئة من الناتج المحلي في البلاد، وقد صنفها المنتدى الاقتصادي العالمي كرابع دولة تنافسية في العالم.
اليونان: هي النسخة الطبق الأصل عن أزمتنا في لبنان، ولكن أثينا وجدت طريقا إلى الحلّ، نبدو حتى الساعة بعيدين للغاية عنه بفضل حكامنا. تمثلت أزمة اليونان في الاقتراض لدرجة أنها كانت على وشك التخلف عن السداد، غير انها لجأت إلى الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي، فحصلت على مساعدات عاجلة، بشرط القيام بإجراءات تقشفية صارمة لكبح جماح عجز الموازنة.
ورغم الغضب الشعبي الرافض لسياسة التقشف، نفذت اليونان خطتها الاقتصادية فخفضت الانفاق العام عبر تقليص رواتب الموظفين الحكوميين وتسريح الآلاف منهم، وخفض المصاريف وتكاليف السفر. كما عمدت إلى رفع الضرائب على السيارات والوقود والسلع التي تعتبر "ترفيهية". كلّ ذلك، ساهم في تسجيل نسب نمو إيجابية وتحقيق فائض في الميزان التجاري، فاق التوقعات.
تشيلي: تعتبر قصة نجاحها من الأشهر عالميا، فقد انتقلت من دولة نصف سكانها تحت خط الفقر لتصبح اليوم من ضمن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والفقراء فيها لا يزيدون عن 9 في المئة من السكان، كما انها من اعلى معدلات النمو السنوي في العالم. وهي اعتمدت للوصول إلى هنا، على تحرير الاقتصاد والتجارة، وخفض الرسوم الجمركية.
الهند: عانى هذا البلد من حروب واضطرابات كثيرة، وبعدما كان بلدا مفلسا في التسعينيات تحوّل اليوم إلى سادس أقوى اقتصاد في العالم. أما السبيل إلى ذلك فكان بحكمة قادته الذين سعوا إلى جلب الاستثمارات الاجنبية، عبر وقف الاحتكارات الحكومية، وخفض الضرائب، ورفع العوائق التجارية وتشجيع المنافسة.
كوريا الجنوبية: في بداية الستينيات، كانت شبيهة إلى حد ما بأكثر الدول الافريقية فقرا، وكان شعبها يعاني من الفقر والجهل والجوع والمرض. غير أنها وبفعل تركيزها على الصناعات الرقمية والتقنية مثل "هيونداي" و"سامسونغ" وغيرها، تحولت إلى أكثر البلدان الآسيوية نهوضا وتطورا، لتشكل نموذجا متميزا يحتذى به.
صحيح أن جهنّم الذي ننزلق إليه قد يشبه تجارب مماثلة لدول ذاقت المرّ ونهضت… وصحيح أن فرصة الإنقاذ دائما موجودة تماما كما حصل في الدول الآنف ذكرها، إلا أن البوصلة الأساسية التي نفتقدها في لبنان والتي وجدتها سائر الدول، هي مسؤولون، هم بالحق مسؤولين، لم تشغلهم المناصب الآنية، والعنتريات، والأنانيات، بل جعلوا مصلحة بلادهم أولوية…
التاريخ لن يرحم هؤلاء، كما لن يرحم شعب هذه البلاد، فمصيرهم في أيديهم يوم الانتخاب… فإما نرزح في جهنّم أو نبدأ الخطوة الاولى نحو بناء دولة حقيقية وربما رائدة.. لمَ لا؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك