كتبت جيسيكا حبشي في موقع mtv:
يقف رجلٌ مُسنّ في السوبرماركت مُقابل برّاد الاجبان والالبان واللّحوم، ينظر بحسرة الى الأصناف، ثمّ يعود ويبحث عن علبة جبنة مطبوخة على الرفّ، يبحث عن السّعر، مُرتفعٌ أيضاً، ثم يسمع همس رجل يقف خلفه "يا جدّو الجبنة البلدية بتغذّيك أكتر"، يلتفت إليه المُسنّ ويُجيب حاملاً العلبة "حتّى هيدي ما فيّي إشتريا".
قصّة هذا العمّ حصلت بالفعل في سوبرماركت في قضاء المتن، وكمّ من مُسنٍّ في لبنان يقف بذلّ وحزنٍ و"بهدلة" أمام المتاجر والصيدليات بحثاً عن علبة دواء أو عن قوت يوميّ يُسكت فيه خرير أمعائه الخاوية.
لم توفّر الازمة الاقتصاديّة والمعيشيّة أحداً في لبنان، ولكنّها ضربت في الصّميم من أصبحوا في خريف وشتاء العمر، وجعلتهم يعيشون آخر أيامهم بفقرٍ وعوزٍ وبُعدٍ عن أفراد عائلاتهم، وقد أُرسل العديد منهم الى دور العجزة لصعوبة وتعذّر العناية بهم، ومنهم، من لا أولادَ أو أقاربَ لهم، لازموا منازلهم المتواضعة وحيدين، لا من يسأل عنهم أو يرأف بحالهم، ويعيشون على بعض المساعدات أو بفضل ما جمعوه من مبالغ للتقاعد طوال حياتهم لم تعُد تُساوي شيئاً، فهم، كما الليرة، فقدوا قيمتهم وليسوا بخير.
تؤكّد سهى بلدو وهي المديرة المسؤولة عن بيت العجوز المريض في منطقة المنصورية التابع لمركز رينيه وهبي للمريض لموقع mtv أنّ "الطلبات لادخال مُسنين الى مركزنا زادت 50 في المئة في ظلّ الازمة، فالعديد من العائلات لم يعد باستطاعتها الاهتمام أو التكفّل بمسنيها وفضّلت أن تلجأ إلينا لنهتم بهم، ولكنّ المشكلة هي أننا نعاني أيضاً كمراكز في ظلّ عدم توفّر موظّفين متخصّصين وارتفاع التكاليف المتوجّبة علينا من طعامٍ ودواءٍ ومازوتٍ وغيرها من المستلزمات الأساسية لكي نستمرّ بالقيام بعملنا ورسالتنا"، مُضيفة "التبرعات نادرة جدّاً، وتصلنا فقط بعض وجبات الطعام وحاجات ضرورية للمُسنّين من قبل جمعيات".
وردّا على سؤال حول كلفة إدخال مسنّ الى المركز الذي هو أشبه بمستشفى طبي يهتمّ ويعالج الكبار الذين يعانون من أمراض جسدية، توضح بلدو أن "التعرفة تتراوح بين مليون وثلاثة ملايين ليرة في الشهر مقابل الطبابة والطعام والمنامة ويبقى على العائلات أن تؤمّن الدواء والحفاضات، ولكننا نستقبل أيضاً بشكلٍ مجاني مسنين لا أقارب لهم وهم بحاجة ماسة للاهتمام والرعاية".
أما عن الوضع النفسي للمسنّ في ظلّ كل ما يحصل، تقول "يعيشون في حالة من الحزن والاستسلام والبُعد عن عائلاتهم ويعرفون ما يحصل في لبنان، وهناك مسنّون يصرّون علينا ألاّ نطلب الدواء من أولادهم لكي لا تترتّب عليهم مبالغ إضافيّة، صحيحٌ هم بحاجة للاهتمام والطبابة ولكنّ العاطفة تنقصهم بشكلٍ كبيرٍ".
لا ضمانَ للشيخوخة في لبنان، وقريباً لا شيخوخة في وطنٍ يتسوّل فيه الشباب ويموت فيه الصغار كما الكبار بسبب الفقر والمجاعة والامراض التي لا تُداوى ولا تُعالج. في رحابِ بلدنا، يرحل كبارنا قبل أوانهم، ويموت أولادهم حزناً لعجزهم عن الاهتمام كما يجب بمن وهبوا لهم العمر وما فيه.
في وطننا أيضاً، يتربّع المسنّون على العروش في القصور، مُحاطين بالورثة، وعلى طاولاتهم بحبوحةٌ وطعامٌ ودواءٌ وخطايا كبيرة...