كتب محمد شقير في "الشرق الأوسط":
دعا مصدر سياسي مواكب لاستمرار انسداد الأفق أمام تشكيل حكومة جديدة في لبنان إلى عدم الاستخفاف بإعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه يعمل مع شركاء دوليين لإنشاء آلية مالية تضمن استمرار الخدمات العامة اللبنانية الرئيسية في الوقت الذي تكافح فيه البلاد أزمة حادة، مشيراً إلى ضرورة التعامل بجدية مع المخاوف التي عبر عنها الرئيس الفرنسي حيال تعثر جهود تشكيل الحكومة وما يترتب على ذلك من تداعيات يمكن أن تؤدي إلى انهيار قاتل للبنان وقطع الطريق أمام من يحاول إنقاذه قبل الوصول إلى هذا المصير.
ولفت المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» إلى أن ماكرون يسعى جاهداً لضمان استمرار الخدمات للبنانيين تحسباً لدخول بلدهم في دوامة الفراغ، رغم أنه تعهد بالدفاع عن جهوده لتشكيل حكومة من شأنها أن تقود الإصلاحات وتطلق العنان للمساعدات الدولية. وقال الرئيس الفرنسي، في مؤتمر صحافي أول من أمس، إنه أراد أن يحث اللبنانيين على الصمود لمواجهة الأسوأ الذي ينتظرهم، متعهداً في الوقت نفسه بوقوف فرنسا إلى جانبهم وبأنها لن تتركهم لوحدهم يواجهون الأيام السوداء بغياب الدولة وانحلال إداراتها ومؤسساتها.
واعتبر المصدر أن الخطورة المترتبة على ما أعلنه ماكرون تكمن في أنه بات الأعلم بما آلت إليه المفاوضات لتشكيل الحكومة والتي عادت إلى المربع الأول، من دون أن تحدث أي خرق يمكن التعويل عليه لمعاودة المشاورات. وقال إن سعيه إلى تأمين استمرار الخدمات يتلازم مع إصراره على توفير كل الشروط لرفع المعاناة عن المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية الأخرى.
وقال إن ماكرون يصر على تأمين الحد الأدنى من الخدمات للبنانيين لتحصين الأمن الاجتماعي الذي من شأنه أن يريح المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية الأخرى لتمكينها من الحفاظ على الاستقرار باعتبار أنها تبقى صمام الأمان لمنع إقحام البلد في فوضى تأخذه إلى المجهول فيما المنظومة الحاكمة عاجزة عن تشكيل حكومة مهمة وبات من الضروري التحضير لإجراء الانتخابات النيابية العامة في موعدها المقرر في ربيع العام 2022 لعلها تشكل نقطة للانطلاق نحو التغيير، وهذا ما تراهن عليه باريس، وهي قالت كلمتها في هذا الشأن على لسان وزير الخارجية جان إيف لودريان في زيارته الأخيرة لبيروت.
ويتابع المصدر السياسي أن باريس تكاد تكون قطعت الأمل بأن تتمكن المنظومة الحاكمة من إنقاذ لبنان إن لم تكن قد أصيبت بإحباط لا عودة عنه في رهانها على هذه المنظومة، مشيراً إلى أن سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو باتت تركز على التعاون مع هيئات المجتمع المدني وتعمل على توفير المساعدات لعدد من المدارس والمستشفيات والجمعيات، وكأنها تراهن على أن الحراك الشعبي - رغم صعوبة توحيده - سيكون الناخب الأول الذي تتشكل منه الرافعة المطلوبة لإعادة إنتاج السلطة.
ويشير المصدر إلى أن ماكرون لم يقدم على خطوته الجديدة هذه إلا بعدما أدرك بأن مشاورات تأليف الحكومة تراوح في مكانها وهذا ما انتهت إليه اللقاءات المعقودة بين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وبين المعاونين السياسيين لرئيس البرلمان النائب علي حسن خليل والأمين العام لـ«حزب الله» حسين خليل في حضور مسؤول التعبئة والتنسيق في الحزب وفيق صفا.
وفي هذا السياق، كشف مصدر في «الثنائي الشيعي» لـ«الشرق الأوسط» أن اللقاءات لم تحقق أي تقدم يمكن التأسيس عليه لمواصلة المشاورات، وقال إن باسيل يصر على أن يكون لرئيس الجمهورية ميشال عون حصة من 8 وزراء في حكومة من 24 وزيراً من دون أن يشارك في حكومة يمنحها الثقة، مضيفاً أن لا مشكلة في إعادة توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف ولكن من دون حصول أي طرف على «الثلث الضامن».
وأكد المصدر نفسه أنه من غير الجائز، من وجهة نظر الرئيس المكلف سعد الحريري، أن يعطي عون 8 وزراء، فيما يقود باسيل المعارضة للحكومة. وأضاف أن «التيار الوطني» أصر في البداية على أن تكون وزارة الطاقة من حصة رئيس الجمهورية لكنه عاد وتنازل عنها مشترطاً أن لا تعطى لتيار «المردة» برئاسة النائب السابق سليمان فرنجية.
وأضاف أن مشكلة حقيبة الطاقة قد حلت وكذلك الحال بالنسبة لحقيبتي الداخلية والعدل، لكن باسيل يرفض أن يعطي جواباً يتعلق بمن يسمي الوزيرين المسيحيين في مقابل إصرار الحريري على تسميتهما لقطع الطريق على عون للاستثمار بامتلاك ثلث ضامن في الحكومة. وزاد أن باسيل اشترط تثبيت حصة عون بـ8 وزراء في الحكومة قبل التواصل مع عون للوقوف على رأيه. ورأى أن مجرد حصول عون على 8 وزراء من دون موافقته على أن يسمي الحريري الوزيرين المسيحيين يعني حكماً أنه يريد أن «يقضم بالمفرق الصلاحيات المناطة بالرئيس المكلف»، مضيفاً أن «لقاءات البياضة» (مقر باسيل قرب بيروت) هي في إجازة الآن ولن تعاود اجتماعاتها ما لم يعدل رئيس «التيار الوطني الحر» موقفه بالنسبة إلى تسمية الوزيرين المسيحيين.
ومع أن المصدر يتجنب الدخول في موقف عون وامتناعه عن الاشتراك في مشاورات التأليف بتفويضه باسيل متابعة هذه المشاورات بصلاحيات مطلقة، فإن مصادر مواكبة للقاءات البياضة تقول لـ«الشرق الأوسط» إن عون أوكل مهمة الحل والربط لـ«وريثه السياسي» (باسيل)، ما يعني أنه يتنازل بملء إرادته عن صلاحياته في الوقت الذي يدعي بأنه يريد استردادها. وتتابع هذه المصادر أن «صبر الحريري لن يطول إلى ما لا نهاية، وهو ينتظر أجوبة نهائية ليبني على الشيء مقتضاه على خلفية أنه ليس من يعطل الدولة ويترك إداراتها ومؤسساتها تنهار، فيما الأزمات تحاصر اللبنانيين، وبالتالي سيقول كلمته الفصل في الوقت المناسب لأنه لن يكون ميشال عون آخر صاحب الخبرة في التعطيل وشل مؤسسات الدولة... وإلا يكون قد عطل نفسه».
وعليه، يفترض أن يقوم الحريري بمروحة من الاتصالات والمشاورات تمهيداً للموقف الذي سيتخذه، ومن خياراته الاعتذار عن تكليفه بتشكيل الحكومة على أن يأتي من ضمن خطة سياسية، ليس للتفرغ لخوض الانتخابات النيابية فحسب، وإنما لمصارحة اللبنانيين بلا مواربة بكل شاردة وواردة كانت وراء اتخاذ خياره بالاعتذار ما لم تحمل الأيام القليلة المقبلة مفاجأة بتذليل العقبات التي تملي عليه التريث.
وبانتظار ما ستحمله الأيام المقبلة فإن الحريري اتخذ قراره بالتنسيق مع حلفائه من جهة وبالتشاور مع الرئيس نبيه بري الذي أطلق، من جهته، مبادرة للإسراع بتشكيل الحكومة. وليس واضحاً حتى الآن هل سيعود باسيل إلى مراجعة حساباته بالتخلي عن شروطه التي تعطل تشكيل حكومة الحريري. كما أنه غير واضح كيف سيتعامل «حزب الله» مع تلويح الحريري بالاعتذار، وهو تلويح يأتي بعدما «طفح الكيل» لدى رئيس الوزراء المكلف الذي يرفض أن يكون شريكاً في التعطيل.
ويبقى السؤال في ظل التعثر الذي يعيق تشكيل الحكومة ما إذا كان ماكرون أطلق إنذاره الأخير لاستحضار ضغط دولي للإسراع بتأليفها قبل أن يغرق البلد في انفجار كبير لا حدود له؟