كتبت "الراي" الكويتية:
يدخل لبنان أسبوعاً يُنتظر أن يشهد محاولةً لـ «إنزال» مبادرةٍ «محلية» جديدة على وقع الضغط الديبلوماسي المكثّف الرامي إلى استيلاد الحكومة «قبل فوات الأوان» وعلى قاعدة «وقت اللعب انتهى»، فإما تلتقط الأطراف المعنية في الداخل «الفرصة الأخيرة» وإما «الكارثة» التي لن يستطيع أحد منْعها.
فبعد أسبوعٍ كان أوّله انفجار علاقة رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، بحيث بدا أن أي «مساكنة اضطرارية» بينهما تحت سقف «حكومة المَهمة» باتت «مستحيلة»، قبل أن يرتسم ما يشبه «خلية الأزمة الديبلوماسية» التي شكّل محورها السفير السعودي وليد بخاري ومعه سفراء الولايات المتحدة وفرنسا بمواكبةٍ كويتية وبريطانية، تتجه الأنظار إلى أيام مفصلية يُفترض أن يتحدّد في ضوئها واحد من اتجاهين: أن «يفلت» لبنان من السقوط المروّع، أو أن لعبة الإنهاك الشامل في السياسة والنقد والاقتصاد ولقمة العيش وربما في الأمن ستَمْضي سواء لانتزاع تراجعاتٍ إضافية في توازنات الحكومة العتيدة ام لاستثمار الانهيار الكبير في الداخل حين تدق ساعة التسوية في المنطقة ومحورها الرئيسي النووي الإيراني.
ومن هنا ترى أوساط مطلعة أن المبادرة الجديدة التي سيحاول رئيس البرلمان نبيه بري توفير «شبكة قبول» محلية لها على قاعدة تشكيلةٍ من 24 وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين وفق صيغة الثلاث ثمانيات، أي بلا ثلث معطّل لأي فريق، ستشكّل اختباراً لغالبية الأطراف ولا سيما حيال مطلب الثلث زائد واحد الذي يتّهم الحريري فريق عون بالإصرار عليه تحت مسمى الميثاقية والتوازن الوطني.
وتَعتبر هذه الأوساط أن تركيبة الثلاث ثمانيات التي كان أول مَن اقترحها رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وكانت محور بحث بين الحريري وبري خلال لقائهما قبل ثلاثة أيام، تستحضر «التسوية» التي أتاحت في شباط 2014 ولادة حكومة الرئيس تمام سلام وفق التوزيعة العددية نفسها، الأمر الذي اعتُبر في حينه بإطار تقاطُعٍ إقليمي أمْلى جلوس الأطراف الداخليين بامتداداتهم الاقليمية على طاولةٍ واحدة بملاقاة مرحلة المفاوضات حول النووي الايراني التي تُوِّجت باتفاق تموز 2015، وأيضاً ما كان متوقَّعاً من فراغ رئاسي مع نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان حينها (أيار 2014) بحيث يحكم «التوازن السلبي» عملها ولا يملك أي طرف لوحده «المفتاح الذهبي» (الثلث زائد واحد) في «الحكومة الرئاسية».
وإذ تشير الأوساط إلى أن الأيام المقبلة ستكون كفيلة بكشْف إذا كان لبنان أمام تكرار تجربة 2014 في ضوء اعتبار المجتمع الدولي أن انهيار «بلاد الأرز» سيكون أشبه بـ«فيضان ماء تغلي» فوق بقعة ملتهبة أصلاً وبروز مؤشرات إلى أن عواصم القرار باتت ترى ولادة الحكومة أولوية وفق «تسوية» لا تشمل الثلث المعطل ولا طبيعة الوزراء الاختصاصيين الذين تسمّيهم قوى سياسية «عن بُعد»، فإنها تلفت إلى أن المبكر التكهّن بحظوظِ نجاح مبادرة بري المرتقبة التي يبقى دونها 3 نقاط:
الأولى استكشاف هل سلّم الحريري بها كصيغة بحث جديدة «دفنت» تشكيلة الـ 18 أم ترك هذا «التنازل» رهن معرفة موقف الآخرين منه أولاً و«شياطين التفاصيل» الأخرى المُرافقة له؟
والثانية، هل سيسير بها عون أم أنه سيستمرّ بالضغط للحصول على الثلث زائد واحد الذي يريده ولو مكتوماً للإمساك بورقة ثمينة يفيد منها «وريثه» السياسي النائب جبران باسيل في طموحه الرئاسي.
والثالثة إلى أي مدى سيسهّل «حزب الله»، الذي كانت قيادته «أحيت» صيغة الحكومة سياسية بالحد الأقصى أو حكومة بشروط عون بالحدّ الأدنى، مثل هذا الطرح، هو الذي تحكم مقاربته الملف الحكومي بالدرجة الأولى مقتضيات اللحظة الإقليمية.
وأولى الإشارات التي صدرت أمس من قصر بعبدا لم تكن كافية لتَلَمُّس موقف فريق عون، وإن لم تبدُ مشجّعة في ضوء ربْط البحث في حكومة الـ 24 بأن تكون مطروحة من الحريري من ضمن صيغة أو مسودة تشكيلة، فيما كان الموقف الذي أصدره «التيار الوطني الحر» برئاسة باسيل أكثر تعبيراً عن عمق الأزمة مع الرئيس المكلف والحاجة إلى جهود كبيرة لترميمها إذا كان ذلك مازال ممكناً.
فـ «التيار الحر» انتقد ما وصفه «الحركة الاستعراضية» التي قام بها الحريري في القصر الجمهوري، سائلاً «هل رئيس الجمهورية شريك دستوري بتأليف الحكومة أم أن صلاحيته محصورة بتوقيع مرسوم التأليف»؟ ومضيفاً في ما بدا غمزاً من حراك البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي كان استقبل الحريري على العشاء ليل الخميس: «هل يفهمون اللبنانيون مغزى أن تُشكّل حكومة تغيب عنها الكتل النيابية المسيحية بالمشاركة والثقة، وهل تدرك المرجعيات المعنيّة معنى العودة الى زمن الوصاية السياسية؟».
وحذّر من خطورة المنحى الإقصائي الذي ينتهجه الحريري وفيه «رغبة واضحة بأن يسمي بنفسه الوزراء المسيحيين فيكون له نصف أعضاء الحكومة زائداً واحداً»، مؤكداً «أن التيّار الحرّ لن يشارك في الحكومة ولن يعطيها الثقة على الأسس التي يطرحها الرئيس المكلّف».
وفي السياق نفسه، اعتُبرت مواقف مساعد رئيس مجلس الشورى الايراني حسين أمير عبداللهيان إزاء الملف اللبناني «إشارة سلبية» برسْم الرافعة الدولية الملتفة حول المبادرة الفرنسية والتي تترافق مع تلويح بعقوبات أميركية - أوروبية على معرقلي تأليف الحكومة، هو الذي اتهم الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية بانتهاج «سياسة عدم وجود حكومة قوية والانقسام وإضعاف المقاومة، وهي الوجه الثاني من تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني وإضعاف لبنان»، مضيفاً «لا شك أن مثلث المقاومة والجيش والحكومة اللبنانية هو الرابح الرئيسي».
وإذ جاء الموقف الايراني عشية اجتماع اوروبي - أميركي ذُكر انه سيُعقد غداً افتراضياً ويتناول الملف اللبناني، لم تكن عابرةً المواقف التي أدلى بها أمس السفير السعودي من المختارة بعد زيارته جنبلاط.
فعلى وقع مواقف عبداللهيان والاتهامات للحريري بأنه يؤخّر تأليف الحكومة بانتظار «الرضى»، قال بخاري إن «لوثة القوى الظلامية تقتات على إلقاء مسؤوليّة خياراتها السياسية على جهات خارجية هروباً من الفشل»، معتبراً ان «اعتداءات الميليشيا الحوثية الإرهابية لا تستهدف أمن السعودية ومقدراتها الاقتصادية فقط وإنما تستهدف الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي»، ولافتاً إلى ان على الحوثيين اتخاذ خطوات مماثلة نحو مبادرة السعودية للسلام وإنهاء معاناة الشعب اليمني.
كما شدد بخاري، قبيل اللقاء الذي تخلله اطلاعه من جنبلاط على وجهة نظره حيال الواقع الراهن وطرحه المتعلق بالتسوية الحكومية، على العلاقة التاريخية بين السعودية والمختارة وعلى «أننا نقف أمام مسؤولية تاريخية مشتركة لنؤكد أننا مع عروبة لبنان»، مؤكداً «كنا وسنبقى عرباً مسيحيين ومسلمين، طالما بقيت كنيسة المختارة، وبقي مسجدها».