كتبت كريستال النوّار في موقع mtv:
ما قبل 17 أيلول ليس كما بعده. من صدمة إلى أخرى "ما عم نلحّق"، وهذه المرّة "طافَ الكوب"، و"تعبنا" مرة أخرى، على وقع حرب بدأت من دون سابق إنذار بضرباتٍ مُتتالية لم تترك لنا أيّ مساحة صغيرة لمحاولة استيعاب ما يحصل.
تشرح الاختصاصيّة النفسيّة كريستينا نخلة، الوضع الذي نعيشه، مُشيرةً إلى أنّ تأثيرَ ما يحصل كبيرٌ جدًّا على جميع اللبنانيّين. وتقول في حديثٍ لموقع mtv: "كلّ شخص يتأقلم مع الوضع بشكلٍ مختلف. فهناك من يتمتّع بمهاراتِ تأقلم أقوى من غيره، ومرونة عاطفيّة أكبر، ممّا يجعل من هذه الفئة أقلّ تعرّضاً للاضطرابات النفسيّة. أمّا آخرون فقد يجدون صعوبةً في التأقلم مع الحرب وتفاصيلها، وهذا أمرٌ طبيعيّ برأيي، يُمكن أن يُعانوا من عوارض معيّنة كالاكتئاب، القلق، واضطراب ما بعد الصّدمة الذي لا يُمكن تشخيصه إلا بعد الصّدمة بشهر ونصف، في وقتٍ ما زلنا في قلب الصّدمة والخطر وعدم الاستقرار والخوف نعيشه يوميًّا لأنّ الحرب ما زالت مستمرّة ولا يعرف أحدٌ متى تنتهي".
الوضع النّفسي خطير وقد يُصبح أسوأ بعد انتهاء الحرب، فـ"ثمّة نسبة كبيرة من النّاس قد تظهر لديها لاحقاً بعض الاضطرابات"، وفق نخلة، التي تلفت إلى أنّ "الحالات النفسيّة المُشابهة كانت قد زادت بعد انفجار 4 آب، واليوم تزيد مجدّداً".
ماذا عن نازحي الحرب؟ وهل تكفيهم المُساعدات؟ تؤكّد نخلة أنّ "مَن خسر منزله وتهجّر من منطقته وعانى من فقدان معارفه، لن يشعر بالأمان أينما ذهب، خصوصاً الأطفال، الفئة الأكثر حاجة إلى الأمان"، موضحةً: "هنا نُلاحظ صعوبة التأقلم والتّعبير عن المشاعر، القلق الدّائم، عدم القدرة على تكوين علاقات اجتماعيّة، صعوبة العودة إلى المدرسة والتّعليم، ممّا يؤثّر على نمو الطّفل سلباً وبشكلٍ كبير".
بالإضافة إلى الحاجات الغذائيّة، تُشدّد نخلة على ضرورة الالتفات أيضاً إلى الحاجات النفسيّة. وتُشير إلى أنّ هناك ما يُسمّى Psychological First Aid، أي اختصاصيّون نفسيّون يؤمّنون الدّعم النفسي للنازحين على الأرض لأنّهم بحاجة إليه أكثر من أيّ شخص آخر في هذا الوضع. حتّى المُبادرات الفرديّة تكون مُفيدة جدًّا مثل القيام بنشاطات واللعب مع الأطفال.
وتُضيف: "من المهمّ وجود اختصاصيّين نفسيّين في مراكز الإيواء لمُساعدة الذين يُعانون من الصّدمات القويّة التي تمنعهم من عيش أقلّ تفاصيل حياتهم اليوميّة، ومن أبرز العوارض هنا يُمكن الإشارة إلى الأرق واضطرابات النّوم والامتناع عن تناول الطّعام"، مُشدّدةً على أنّ "هؤلاء يجب أن يؤمَّن لهم العلاج المُناسب (استشارات عند الطّبيب النّفسي أو عند المُعالِج النّفسي)".
نحن نتكلّم هنا عن حالة طوارئ، تقول نخلة، لذلك من الضّروري تأمين المُساعدة النفسيّة الأولى، مع وجود اختصاصيّين مع النّازحين في مراكز الإيواء، يستمعون إليهم ويُشعرونهم بقدرٍ من الأمان النّفسي، مع مُساعدتهم على التعبير عن مشاعرهم واللعب مع الأطفال وإتاحة فرص التّمثيل والرسم مثلاً... فمثل هذه الأمور يُمكن أن تتوفّر بسهولة من قبل اختصاصيّين ومُبادرات فرديّة".
مهما فعل أصحاب "الأيادي البيضاء" ورغم كلّ المُبادرات، لكن المطلوب أكثر من الخبز، ويبقى الأمان مفقوداً في بلدٍ تغيب فيه المُحاسبة... فهل يتغيّر هذا الواقع ونستفيق في بلدٍ حقيقيّ؟ ربّما يوماً ما...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك