شاهدتُ، مباشرةً على الهواء، الرسالة التي وجّهها رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون الى اللبنانيّين، عشيّة انتخابات الاغتراب التي تبدأ جولتها الأولى غداً الجمعة وتُستكمل، في دولٍ أخرى، يوم الأحد. إلا أنّني أعترف بأنّني لم أكتفِ بما شاهدت وسمعت. انتقلت الى "تويتر" وقرأت مقتطفات من الرسالة الرئاسيّة في تغريدات على حساب رئاسة الجمهوريّة على الموقع. لم تُشبع المقتطفات نهمي. قلتُ، يجب عليّ أن أقرأ الرسالة كاملةً، وأقرأ، أيضاً، ما بين سطورها إن دعت الحاجة، على الرغم من أنّها واضحة في اللغة والمضمون ولا تحتمل اجتهاداً ولا تفسيراً.
دعا رئيس البلاد المواطنين الى "التحرّر من وسائل الضغط والاغراء التي تفسد الضمائر"، والى عدم الاقتراع "لمن يدفع ويسخى بالمكرمات"، لأنّ "من يشتريكم يبيعكم، ومن يبيع المواطن ليس صعبا عليه ان يبيع الوطن".
وتوجّه الرئيس عون الى الناخبين، فحثّهم على نبذ "من يؤجّج المشاعر الطائفيّة والعصبيّات لأنّه يتلاعب باستقرار الوطن"، والى المرشّحين بضرورة "مخاطبة عقول الناخبين لا غرائزهم، فالشحن الطائفي هو أول خطوة على طريق الفتنة".
وإذ لفت رئيس الجمهوريّة الى "صحة التمثيل وفعاليّته اللتين يؤمنهما القانون الانتخابي الجديد"، اعتبر "الصراع الذي نشأ بين اعضاء اللائحة الواحدة للحصول على الصوت التفضيلي لا يعود الى القانون ولكن الى المرشحين"، نتيجة "نقص في التعاون بين افراد اللائحة الواحدة"، مشيراً الى "سلبية أخرى، ظهرت مؤخرا وهي في تدني الخطاب السياسي".
حسناً، سنكتفي بهذا المقدار من رسالة العشر دقائق التي وجّهها الرئيس عون، لنعلّق.
لقد أصاب رئيس الجمهوريّة في كلّ كلمةٍ قالها، بل هو وضع الإصبع على الجرح الانتخابي. ولكن، من يمارس "الضغط والإغراء"؟ أليسوا من يستدعون رؤساء بلديّات ومفاتيح انتخابيّة الى المقار الرسميّة لترغيبهم وترهيبهم. ومن يشتري الناخبين، أليسوا المتموّلين الذين تمّت الاستعانة بهم لـ "تزيين" اللوائح و"تزييتها"؟ وهؤلاء، للتذكير، على الكثير من اللوائح، ومنها خصوصاً اللوائح التي تُصنّف في خانة العهد.
أما دعوة الرئيس الى نبذ من يؤجّج العصبيّات لأنّه يتلاعب باستقرار الوطن، فهي في موقعها. إلا أنّ من يؤجّج هذه المشاعر هو المدعوم من العهد والذي يرفع صور رئيس الجمهوريّة في أكثر من منطقة للاحتماء به أو للحصول على أصواتٍ انتخابيّة اعتماداً على رصيد الرئيس عون الشعبي.
أما الكلام عن أنّ "الصراع الذي نشأ بين اعضاء اللائحة الواحدة للحصول على الصوت التفضيلي لا يعود الى القانون ولكن الى المرشحين"، نتيجة "نقص في التعاون بين افراد اللائحة الواحدة" فيدعونا الى السؤال عن كيفيّة تأمين تعاون في ظلّ تحالفات متناقضة تمّ فيها التخلّي عن المبادئ والثوابت والتراجع عن الشعارات. كيف يمكن أن يتعاون، مثلاً، التيّار الوطني الحر، الذي يرفع شعار العلمانيّة، مع الجماعة الإسلاميّة؟ وكيف سيتعاون "التيّار" مع الحزب السوري القومي الاجتماعي في المتن، ثمّ يواجهه في مرجعيون والكورة؟ إنّه نقص في أمرٍ آخر، لا في التعاون.
ونسأل: ماذا قصد الرئيس عون بعبارة "تدني الخطاب السياسي"؟ هل هو يلمّح الى كلمة "البلطجيّة" أم الى كلمة "الأوباش"؟
ختاماً، إذا أردنا تطبيق ما ورد في رسالة الرئيس الى اللبنانيّين في الداخل والاغتراب، وهي محقّة في كلّ كلمة وردت فيها، لما نالت لوائح كثيرة، ومنها بعض اللوائح التي يريدها الرئيس أن تفوز، صوتاً واحداً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك