الأب جورج بريدي م.ل.
عند اللّه لا صدف، لا تواريخ عشوائيّة. وفي لبنان، في ظلّ واحدة من أكبر الأزمات الوجوديّة المسيحيّة في تاريخ لبنان الحديث، يأتي إعلان البطريرك العظيم، رأس الكنيسة المارونيّة ومنظّمها ومؤرّخها مار إسطفان الدويهي طوباويًّا على مذابح الكنيسة. إنّها بلا شكّ رسالة سماويّة كنسيّة وطنيّة لكلّ مسيحيّي لبنان، وللموارنة بشكلٍ خاصّ.
وفي ظلّ كلّ الأزمات السياسيّة والحربيّة والديموغرافيّة التي تشهدها المنطقة المتمخّضة بالخوف والانتظار والمجهول، رسالة للعالم أجمع يرفعها الموارنة من على مذبح تطويب البطريرك.
فهل مَن يسمع ويفهم ويلبّي ويعمَل بهذه الرسالة؟
تطويب البطريرك الدويهي رسالة للذين يئسوا من العيش في هذا الوطن وأبهرتهم أمجاد بلاد الغرب. فهو الذي كان باستطاعته العيش في روما الحياة التي يتمنّاها كلّ شاب، مع كلّ النجاحات التي حقّقها هناك، إلّا أنّه صمّم العودة إلى الوطن، وهو تحت الحكم العثماني، ليعمل ويؤسّس ويعلّم ويبني أجيالًا مارونيّة وكهنونيّة للبنان وللكنيسة، على الرغم من الضغوطات والاضطهادات الداخليّة العديدة التي واجهها خلال خدمته الكنسيّة.
اليوم ينادي الدويهي: لِمَن تتركون وطنكم؟
تطويب البطريرك الدويهي رسالة للمسيحيين وللموارنة الذين تخلّوا عن كنيستهم، وشكّكوا بدورها وحكمتها. فهو الذي جعل من الكنيسة المارونيّة حجرًا ثابتًا ومنارةً للأقداس والقدّيسين، جمع فيها أبناء البيعة، وخدم شعبه بتواضعٍ يُشهَد له، دون تمييز، فعلّم العائلات والشباب، الرجال والنساء، كيف يكونوا أوّلًا مسيحيّين، وكيف أنّهم بأمانتهم لكنيستهم يبقون ثابتين في الأرض.
اليوم ينادي الدويهي: إلى أين تتركون كنيستكم؟
تطويب البطريرك الدويهي رسالة لمشوّهي تاريخ لبنان والدور الأساسيّ للكنيسة وللموارنة في بناء الكيان والوطن والجوهر اللّبناني. فهو الذي حرص على تأريخ الأزمنة في لبنان والمنطقة، كي لا نفقد تاريخنا في وجداننا، إذ إنّ الشعب الذي يتخلّى عن تاريخه، لا مستقبل له. وهو الذي عرف كيف يتعاطى مع كافّة الأطراف والطوائف في لبنان بمحبّة واحترام، ودون المساومة على مبادئه وأُسسه المسيحيّة الكنسيّة والوطنيّة.
اليوم ينادي الدويهي: أيّ تاريخ تكتبون لأبنائكم؟
اليوم يترك لنا البطريرك الدويهي حياته وشهادته وكتاباته وعمله ورسالته ومسيحيّته ووطنيّته وتضحياته درسًا نتعلّمه ونحفره في قلوبنا وفي فكرنا، وفحصًا يحرّك ضمائرنا لمساءلة ذواتنا عن دورنا ووجودنا في وطننا لبنان وفي كنيستنا.
مع البطريرك إسطفان الدويهي، ومع الكنيسة الجامعة، في يوم تطويبه، يصرخ كلّ لبنان ويؤكّد للعالم أجمع: "مجدُ لبنان أُعطيَ لهُ".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك