أقام جبران باسيل الدنيا بعد تغريداته التي اختتم بها مشاركته، ضمن الوفد اللبناني الذي ترأسه رئيس الحكومة سعد الحريري، في قمّة الرياض، وقد لا يقعدها اليوم إن تحدّث بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح. اعتاد باسيل على الأمر. يملك الرجل قدرةً فائقة على الاستفزاز. وهو يعترف بالأمر، ولعلّه يسعد به أيضاً.
باتت عبارة الوزير باسيل "لم نكن على علم" الأكثر رواجاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي منذ ليل الأحد. جُلد الرجل بالانتقادات التي ما عادت، على الأرجح، تؤثّر به لكثرتها، وفيها بعض من وضع الإصبع على الجرح والكثير من التحامل، كمثل الروايات التي تكاد تجعل منه مزيجاً من شخصيّة دكتاتوريّة ومن صاحب ثروة لا تُحرق ولا تُغرق، من دون بواخر.
يحلو للناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهم يتوزّعون بين خفّة الدم وخفّة العقل، أن ينتقدوا باسيل. ويحلو الأمر نفسه للكتّاب أيضاً. وقد قلت لمعاليه يوماً إنّني إن اخترت شخصيّةً أكتب عنها فسأختاره حتماً، ولن أختار، مثلاً، النائب سليم سلهب الذي يملك الكثير من مآثر الطبّ في علاج البروستات والنادر من مآثر السياسة، فعلاً وقولاً.
ولكن، ما يدركه باسيل حتماً أنّ منتقدي اليوم سيتلهّون بأمرٍ آخر غداً، وقد تناسوا في السابق فضائح وغفروا لمن حرمهم حتى الآن من الكهرباء ولمن يجعل من المياه لا تزور حنفيّاتهم إلا لساعاتٍ محدّدة، وهي تأتي كوجوه بعض السياسيّين، "معوكرة". وسامحت الجماهير "الغفورة"، كما كان يسمّيها الظريف فيلمون وهبي، من صَنَع ثروات غير مستحقّة واشترى طائرات خاصّة حقيقيّة، لا كتلك الوهميّة التي يصرّ البعض على أنّ رئيس التيّار الوطني الحر يمتلكها.
ليس جبران باسيل بملاك، وليس بشيطان. هو واحدٌ من رجال السياسة ممّن يرتكبون الأخطاء ويحقّقون الإنجازات. ولكن، ما يميّزه أنّه يملك هذه القدرة الفائقة على جذب انتباه العامّة الى شخصه، وانتباه الكاميرا التي يندر أن تلتقط له صورة من دون حركة في الوجه. وما يميّزه أنّه "يعلم" الكثير، وهو اليوم محور الحياة السياسيّة في لبنان، وفي ذلك ميزة له وعبءٌ عليه.
ربما، وأقول ربما، لم يكن جبران باسيل على علمٍ بإعلان قمّة الرياض، علماً أنّ ما ورد في الإعلان لا يحمّله، مع لبنان الرسمي، أيّ مسؤوليّة. ولكن، ما لا يمكن أن نقول إنّنا لسنا على علمٍ به، هو أنّ هذا البلد يقيم في غرفة الطوارئ، وبدل أن نكون على حياد في صراعاتٍ لا علاقة لنا بها ولا دور، خصوصاً لا دور، رمينا أنفسنا في الحلبتين، فتلقّينا الضربة من هنا والضربة من هناك. ورحنا نبحث عن وطننا في طائفيّتنا، ونظنّ أنّ نقل المقعد الماروني من طرابلس سيحمي موقع المسيحيّين الذي فقدوه منذ تقاتلوا وهُجّروا وهاجروا ورموا أنفسهم في هذه الحلبة أو تلك.
وما أعلمه أنّ من مثل جبران باسيل، الزعيم الشاب لأكبر حزبٍ مسيحي في هذا الشرق، عليه أن يطلب المحبّة لا الولاء، وأن يكون قاسياً في محاسبة نفسه كي لا يقسو الناس في محاسبته، وأن يعيد ويستعيد ويصحّح ويسأل قبل أن يطلق الموقف. وأن يمتلك، خصوصاً، القدرة على استيعاب الآخرين. فالقادر على الاستيعاب هو القوي، لا من يطيل البقاء على الحلبة... حتى الضربة القاضية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك