يحيي لبنان اليوم الذكرى 76 لاستقلاله على وقْع «عصْفِ» واحدةٍ من أخْطر الأزمات التي يمرّ بها، وسط ثورةٍ شعبيةٍ يَحْكمُها الحلمُ بـ «لبنان جديد» ومأزقٍ سياسي متمادٍ بفعل العجْز عن التفاهم على حكومةٍ جديدةٍ وتالياً اختصار رحلةِ الانزلاقِ «بِلا مَكابح» نحو الهاوية المالية - الاقتصادية التي بات قعرُها... على مرمى العيْن.
وإذ يغيب العرضُ العسكري الكبير عن وسط بيروت ويستعاضُ عنه بعرْض رمزي في وزارة الدفاع بمشاركة رئيسا الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري ورئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري، بالتوازي مع إلغاء حفل الاستقبال التقليدي السنوي في القصر الجمهوري «نظراً إلى الأوضاع الراهنة»، فإنّ «الثورةَ» اختارتْ الاحتفالَ بالاستقلال في «ساحة الشهداء» بـ «عرْضٍ مدني» يقدّمه نحو 50 فوجاً يمثّلون مختلف الفئات والأعمار (نحو 3 آلاف شخص) ويرمزون إلى طبيعة الانتفاضةِ و«ناسها».
وفي حين سيشكّل 22 تشرين الثاني محطةً جديدة يريد عبرها أبناء «ثورة 17 تشرين الأول» إثبات صمود انتفاضتهم وحفاظها على توهُّجها بعد 37 يوماً من انطلاقتها، فإن رسالة الاستقلال التي وجّهها عون ليل أمس إلى اللبنانيين يفترض أن تشكّل حافزاً إضافياً للثوار لتوسيع «حضورهم الدائم» في الميادين باعتبار أن كل المؤشرات التي سبقتْها لم تسمح بِتَوَقُّع أن يُضَمِّنَها عون تحديدَ موعدٍ للاستشارات النيابية المُلْزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة رغم مرور 24 يوماً على إعلان الحريري استقالته.
وبينما كان «الصوت الأعلى» أمس، هو للإجراءات التقييدية الصارمة التي اتخذتْها المصارف على تحويل الدولار إلى الخارج وتقنين سحْبه داخلياً إلى حدود راوحتْ بين 300 دولار وألف دولار أسبوعياً وسط إرباكاتٍ لم «تَنْجُ» منها حتى عمليات السحْب بالليرة اللبنانية أو صرْف الشيكات وغيرها من التعاملات حتى بدا من الصعب الفصل في أذهان المواطنين بين عَوارض بداياتِ الانهيار والإفلاس، فإن هديرَ «محرّكات» الاتصالات الداخلية الرامية لإحداث كوّةٍ في جدار أزمةِ تأليف الحكومة خَفَت في ظلّ استمرار التجاذب بين مساريْن للحلّ، واحدٌ يصر عليه تحالف فريق عون - «حزب الله» ويقوم على حكومة تكنو - سياسية، والثاني يتمسّك به الحريري ويدعو إلى تشكيلة من اختصاصيين.
ولم يكن ممكناً في الساعات الأخيرة القفز فوق الانطباع بأن مأزق تشكيل الحكومة، تكليفاً وتأليفاً، أخذ ما يشبه «الوقت المستقطع» داخلياً على وقع إشاراتِ بدء إحاطةٍ دولية بالواقع اللبناني لم ترتقٍ بعد إلى مستوى مبادرةٍ يُراد لها بحال تبلورتْ مقوّماتُها و«تَقاطُعاتها»، التي تعترضها استقطاباتٌ يُخشى بحال عدم تبديدها أن تعمّق الأزمة اللبنانية، منْع السقوط المالي عبر «جرعة دعْم» سريعة و«عينيّة» تؤخّر تَجَرُّع «كأس السمّ» وتوفير الحدّ الأدنى من الضمانات التي تُطَمْئن المتوجّسين من حكومة المستقلّين.
وفي هذا الإطار توقّفت أوساطٌ مراقبة عند الوقائع الآتية:
- إطلالة الرئيس دونالد ترامب على الأزمة اللبنانية في البرقية التي وجّهها إلى عون لمناسبة ذكرى الاستقلال، إذ أكد «ان علاقات الصداقة التي تربط الشعبين اللبناني والأميركي هي علاقات قوية، والولايات المتحدة مستعدة للعمل مع حكومة لبنانية جديدة تستجيب لحاجات اللبنانيين ببناء بلد مستقرّ مزدهر مستقلّ وآمِن».
- متابعة عون نتائج الاجتماع الثلاثي الفرنسي - الأميركي- البريطاني الذي عقد الاربعاء في باريس وتناول في جانب منه الوضع في لبنان، حيث نقل السفير الفرنسي برونو فوشيه إلى الرئيس أن المجتمعين أكدوا «استمرار دعم بلدانهم لاستقرار لبنان وسيادته واستقلاله ووجوب عودة المؤسسات الدستورية الى العمل».
- دعوة المنسق الخاص للأمم المتحدة يان كوبيش، القيادة اللبنانية الى «تكليف رئيس مجلس وزراء بصورة عاجلة والإسراع في تشكيل حكومة من شخصيات معروفة بكفاءتها وتحظى بثقة الناس».
- إيفاد الحريري مستشاره جورج شعبان إلى موسكو لاستطلاع حقيقة الموقف من الأزمة بعد الكلام اللافت لوزير الخارجية سيرغي لافروف الذي اعتبر أن حكومة التكنوقراط «أمرٌ غير واقعي».
- دعوة بري إلى عقد جلسة برلمانية الأربعاء المقبل، لدراسة مسودة تشريع يتعلق بسرية المصارف واسترداد أموال الدولة المنهوبة.
ونقلت صحيفة «اللواء» عن الحريري خلال اجتماع كتلته البرلمانية، الاربعاء، «إن مشكلته في الحكومة هي مع جبران باسيل وليست مع ميشال عون أبداً»، في حين اعتبر رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط أن «العهد كله كمنظومة سياسية انتهى وكذلك (اتفاق) الطائف».
من ناحيتها، نقلت صحيفة «اندبندنت عربية»، عن بعض من التقاهم الحريري، نيته اتخاذ خيارات جذرية، منها الابتعاد عن الممارسة السياسية في المرحلة الحالية والاتجاه نحو ورشة داخلية في تياره، بحسب ما اورد موقع «التيار الوطني الحر» أمس.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك