"عا طباق الشهر" في لبنان، والشهر ونصف في العراق، انفجر الشارع الإيراني غضباً، بعدما أشعلته أسعار البنزين المرتفعة. وبذلك، تكتمل سلسلة احتجاجات شوارع محور "الممانعة"، الذي لم ينجح الى الآن سوى في منع الحياة والطمأنينة والراحة عن "أهل البيت"، كلّهم!...
وفي سياق متّصل، بدا ملفتاً جداً التبايُن الكبير بين الموقفَيْن السوري والإيراني، تجاه كل ما يحصل في شارعَي لبنان والعراق، عشيّة اشتعال الشارع الإيراني. وهو قد يكون (التبايُن) عادياً، أو ربما يعبّر عمّا هو أبعد، يرتبط بتموضعات معيّنة لدمشق، رغم أن الأدبيات السورية العامة في التعاطي مع الغرب لم تتغيّر في الظاهر
لا تشبه...
ففي مقابلة تلفزيونية أمس، وبما يختلف جذرياً عن مقاربة إيران و"حزب الله" التي تنظر الى الإحتجاجات الشعبية في لبنان والعراق على أنها من أعمال "أعداء الأمّة"، ومدعومة مالياً وتنظيمياً من السفارات الغربية، أكد الرئيس السوري بشار الأسد أن "التظاهرات في لبنان والعراق لا تشبه ما حصل في سوريا".
فالأسد نزع صفة "المؤامرة" عمّا يحدث في بيروت وبغداد عندما أشار الى أن "ما حصل في سوريا في البداية كان عبارة عن أموال تُدفَع لمجموعات من الأشخاص لكي تخرج في مسيرات... وبدأ القتل منذ الأيام الأولى عبر إطلاق النار، وهذا يعني أن التظاهرات لم تكُن عفوية...". واعتبر أنه لا يُمكنه تشبيه الحالة السورية ببقيّة الحالات.
ورغم دعوته الى إبقاء الأمور في إطار وطني، وتحذيره من الإستغلال الأميركي والبريطاني والفرنسي لما يحصل في لبنان والعراق، إلا أن موقفه يتعارض تماماً مع ما يقوله "الممانعون" عموماً، سواء في لبنان أو العراق أو حتى في إيران.
نحو الأفضل؟
والملفت أيضاً أن الأسد تمنّى أن تشكل التحرّكات دافعاً حقيقياً لتغيير نحو الأفضل في كل القطاعات وعلى كل المستويات، دون أن يربطها في لبنان، بمؤامرة نتجت عمّا قاله وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، قبل أربعة أيام من بدء ثورة 17 تشرين الأول، عن أنه يُريد زيارة دمشق من أجل إعادة النازح السوري الى دياره. وهو ما يعني أن الأسد نسف كلّ التحليلات "المُمانِعَة" التي ربطت بين موقف باسيل من سوريا، وبين اشتعال الشارع اللبناني.
فماذا يُمكن أن يكون في خلفية موقف الأسد؟ ولماذا ابتعد عن "نظرية المؤامرة" في توصيف ما يحصل في لبنان والعراق؟ هل هو غير راضٍ عن أسباب زيارة باسيل دمشق مثلاً؟ أو هل إن مصالحه تتقاطع في السرّ مع أطراف غربية معيّنة؟ وماذا عن إيران و"حزب الله" وافتراقه عنهما في النظرة الى ما يحصل في لبنان والعراق؟ والى أي مدى يُمكن لموقفه أن يؤثّر على السلوك السياسي والميداني لـ "الحزب" في التعاطي مع الشارع اللبناني؟
وماذا عن روسيا، التي قد تستفيد من اشتعال ساحات "الممانعة" من أجل تقوية نفوذها في سوريا وجوارها، بلا منازع إيراني؟
مبكر
رأى مصدر ديبلوماسي كبير أنه "من المبكر الحديث عن صورة واضحة حول ما يحصل في الشارع الإيراني حالياً، لأن لا شيء يؤكد منذ الآن الى أي مدى ستصل الأمور هناك، وحدودها".
وأشار في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" الى أن "رغم ذلك، لا يجب الإستخفاف بما يحدث فيها الآن، إذ يُمكننا وضعه في خانة ما يجري في شوارع العراق ولبنان. ولكن خلفية الأحداث الإيرانية الحقيقية، لا تزال غير واضحة تماماً".
الأسد...
وعلّق المصدر على كلام الرئيس السوري في المقابلة أمس، فقال:"كان مُلفتاً بالفعل ما جاء على لسانه حول ما يحصل في لبنان والعراق".
وأضاف:"كلامه يوضح أن السوريين لا يزالون منزعجين كثيراً من الطريقة التي تحدّث فيها الوزير باسيل عن زيارته سوريا، خلال احتفال "الوطني الحر" بذكرى 13 تشرين".
ولفت الى أن:"السوريين كانوا اعتبروا أنه تكلّم بفوقيّة كبيرة، عندما زاوج بين الزيارة والعمل على ملف النّزوح مع دمشق في شكل مشترك من جهة، وبين التذكير بإخراج الجيش السوري من لبنان، من جهة أخرى. فضلاً عن أن السوريين لا يحبّون أسلوب باسيل في الكلام والعمل أصلاً".
الرئيس عون؟
ووضع المصدر كلام الأسد في خانة "الردّ المباشر على موقف رئيس الجمهورية ميشال عون أيضاً، الذي عبّر بطريقة غير موفّقة، عندما وُجّه له السؤال مؤخّراً حول موضوع التواصل المباشر بينه وبين الرئيس السوري".
وتابع:"تجنّب الرئيس عون الإعتراف بوجود اتصال مباشر مع الأسد. وبالتالي، كيف كان سيرسل باسيل الى سوريا، إذا لم يَكُن لديه أي اتّصال مباشر بالأسد؟ بالإضافة الى أن ما أزعج السوريين من كلام الرئيس عون هو أنه جعل سوريا في الميزان نفسه مع إسرائيل. فهو (الرئيس عون) شبّه السؤال الموجّه له عن الإتّصال المباشر مع الأسد، بمن كانوا يسألونه في الماضي إذا كانت لديه اتّصالات مع إسرائيل. وبالتالي، التشبيه أتى مزعجاً جداً للإدارة السورية، في الشكل والمضمون".
اقتناع
وشدّد المصدر على أن "السوريين، وحتى "حزب الله"، يُدركان تماماً أن تراكمات داخلية كبيرة جداً في لبنان والعراق، هي التي أوصلت الى الهبّة الشعبيّة. ولكن الأسد كان أوضح من "حزب الله" في التعبير عن هذه الحقيقة. وهو (الرئيس السوري) رغم تحذيره من الإستغلال الغربي، إلا أنه لم يتوسّع في هذا النقطة كثيراً. وبالتالي، ظهر غير مشجّع للإحتجاجات اللبنانية والعراقية، ولكنّه بدا متفهّماً لها، وظهر أنه ليس ضدّها. وهذا ملفت بالفعل، ويأتي في إطار العلاقة غير السليمة بينه وبين الرئيس عون والوزير باسيل".
روسيا؟
ورداً على سؤال حول الدّور الروسي المتوقّع في الشرق الأوسط، إذا تطوّرت احتجاجات الشارع الإيراني، وجعلت الجوار السوري أكثر اضطراباً، أجاب المصدر:"روسيا تلتزم بـ deal مع الولايات المتحدة الأميركية حول العناوين الأساسية الكبرى. وهذا ظهر بوضوح أكبر من خلال ما حصل في الشمال السوري مؤخراً".
واعتبر أن "الأميركيين والروس قد يختلفون تحت هذا السقف، على تحسين شروطهم، في من يدخل أكثر الى مصر مثلاً ليبيعها السلاح، أو حول حصص شركاتهم النفطية في الشرق الأوسط، وهذا طبيعي. ولكن التفاهم بينهم أكثر من تامّ حول العناوين الكبرى التي تتعلّق بحدود وأمن إسرائيل، وبرسم الأُطُر الضرورية لإيران في المنطقة".
وختم:"روسيا تستعين بالحضور الإيراني في سوريا، وتستفيد منه. ولكن إذا فرضت الحاجة على إيران أن تخفّف حضورها ونفوذها في سوريا، لأسباب تتعلّق بتطورات احتجاجاتها الشعبية مثلاً، فإن موسكو ستكون مستفيدة في تلك الحالة لكَوْنها ستشكّل البديل الأول والأخير الذي يُمكنه أن يحلّ مكان الفراغ الذي ستتركه طهران هناك، على المستويات كافّة. وفي النهاية، لن تهتم روسيا إلا بمصلحتها".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك