إختار رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية جبران باسيل بدقة تاريخ 13 تشرين ليوجه عددا من الرسائل المشفرة في اتجاه أكثر من خصم وصديق أفرزتهم التسوية الرئاسية الشهيرة، التي أعادها القيمون عليها مجددا إلى حلبة الرقص... على حافة الهاوية، قبل أيام من ذكرى ولادتها الثالثة.
هذه المرة، لم يحتج رئيس التيار الوطني الحر إلى "الماكياج السياسي" واللغة الديبلوماسية لرسم العناوين العريضة للنصف الثاني من عمر التسوية والعهد الذي أرسته، خصوصا في ما يتعلق بالشريك الأول، رئيس الحكومة سعد الحريري. صورة من شأنها أن تتيح للمراقبين طرح تساؤلات مشروعة عن مستقبل العلاقة بين الشريكين، من جهة، والعهد من جهة أخرى، في ضوء كلام باسيل عن استعداد التيار لـ "قلب الطاولة في وجه الجميع"، إذا طلب رئيس الجمهورية ذلك.
وفي السياق، تلفت مصادر سياسية مراقبة عبر "المركزية" إلى عوامل عدة يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند "فك الشيفرة" وراء كلام باسيل الأخير، شكلا ومضمونا، وتشير إلى أن باسيل تحدث أمام جمهور برتقالي عريض، وذلك للمرة الأولى منذ الاحتفال بذكرى أحداث 7 آب 2001 في نهر الكلب، مذكرة بأن احتفال الأمس أتى غداة قداس أقامه معارضون للقيادة العونية الحالية، الذين اعتبرت خطوتهم محاولة لاثبات قدرتهم على منافسة التيار، في أحد أهم الأيام المرتبطة بذاكرته الجماعية، ما يفسر الطابع الشعبي لخطاب باسيل الذي رمى إلى تأكيد الحجم الشعبي والسياسي للتيار الذي أسسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في هذا العهد تحديدا، وهي رسالة يفترض أن تكون "المعارضة العونية" قد تلقفت إشاراتها جيدا لتبني على الشيء مقتضاه، علما أن قداس الأمس حصل في غياب "متوقع" للنائب شامل روكز، الذي يقاطع اجتماعات تكتل لبنان القوي منذ إقرار موازنة 2019، وفي ذلك إشارة واضحة إلى خط "مستقل" يرسمه روكز لنفسه، من دون أن يعني ذلك تخليه عن موقعه مدافعا أول عن الرئيس عون.
أما في المضمون، فتحرص المصادر على التذكير بأن كلام باسيل أتى غداة موقفه اللافت في اجتماع وزراء الخارجية العرب السبت الفائت، حيث طالب بعودة سوريا إلى موقعها في الجامعة العربية، والذي أفقدها إياه العرب في 2011، إثر إندلاع الأزمة فيها.
غير أن المصادر تلفت إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تدفع فيها التسوية إلى المصير المجهول، لكنها بالتأكيد واحدة من المرات النادرة التي يخرج فيها رئيس الحكومة، الذي لا يخفي حرصه الشديد على ابقاء تفاهمه مع باسيل على قيد الحياة، عن صمته، لا لشيء إلا لأن الملف السوري وتحرير لبنان من الوصاية السورية قضيتان تمسان تيار المستقبل وجمهوره "السيادي" في الصميم، على اعتبار أن حدثا جللا بحجم اغتيال الرئيس رفيق الحريري هو الذي أدى إلى إنهاء الوصاية على لبنان، معطوفا على الرفض "الأزرق" التام لأي تطبيع للعلاقات مع النظام السوري تحت ستار عودة اللاجئين السوريين (المطلوبة) إلى بلادهم.
وتذكر المصادر أن هذه ليست الخطوة الأولى من نوعها من جانب المستقبل في اتجاه التيار البرتقالي، ولا يمكن فصلها عن "تأجيل" اللقاء الذي كان من المفترض أن يجمع باسيل بكوادر المستقبل، على خلفية تصريحات النائب زياد أسود الأخيرة، والتي تناول فها ذكرى الحريري.
على أي حال، فإن المصادر تبدو على يقين بأن التسوية الرئاسية مستمرة لأن أيا من أطرافها لا يرى لنفسه مصلحة في ذلك. لكن هذا لا ينفي أن "التيار الوطني الحر" سيواصل الضغط في اتجاه تنفيذ التغييرات الجذرية المطلوبة بعد طول انتظار، خصوصا أننا أصبحنا في منتصف ولاية رئيس الجمهورية على ما تلفت إليه مصادر تكتل لبنان القوي عبر "المركزية"، معتبرة، في معرض التعليق على البيان الذي صدر قبل ساعات عن مكتب الحريري الاعلامي، "أن رئيس الحكومة يتعامل ببراغماتية مع موضوع النازحين ".
وتشدد على أن "النازحين السوريين يشكلون جزءا أساسيا من المشكلة الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها لبنان راهنا".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك