لم تحجب ظاهرة الازمات المتناسلة من "ذَرّة" فقدان الدولار من السوق اللبناني وما تسببت وتتسبب به من مضاعفات، لن يكون آخرها اعلان اتحاد نقابات المخابز والأفران الإضراب الإثنين المقبل، الانظار عن مركزية الازمات التي تعصف بلبنان واقتصاده والمرشحة ان تشّتد تباعا كلما اشتّد حبل العقوبات الاميركية على حزب الله .
في آخر الزيارات الاميركية لبيروت، ابلغ مساعد وزير الخزانة الأميركي مارشال بيلغنسلي، من يعنيهم الامر من مسؤولين لبنانيين ان الدعم الاميركي السياسي والعسكري الذي تقدمه واشنطن وستستمر، لا يعني في اي شكل ان العقوبات لن تشتد على حزب الله المتهم بالارهاب، وكل من يلف لفيفه، مهما بلغ موقعه وارتفع منصبه. صحيح ان بيلنغسلي حرص آنذاك على التأكيد ان العقوبات لا تستهدف طائفة بعينها محاولا سحب صبغة "الارهاب" عن الطائفة الشيعية، بيد انه قال بالفم الملآن لمن التقاهم ان العقوبات لن تستثني شخصيات تدور في فلك الحزب. ولم يتأثر المسؤول الاميركي بما "اسمعه" اياه الرئيس نبيه بري لينقله الى ادارته، اذ لم يكد يغادر بيروت حتى انتشرت في وسائل الاعلام وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي اسماء وزراء ونواب من غير الطائفة الشيعية تردد ان عقوبات واشنطن ستشملهم او حُجبت عنهم تأشيرات الدخول الى الاراضي الاميركية. وهو ما تعتبر مصادر سياسية مراقبة انه خلف تليين بعض هؤلاء مواقفهم وتخفيف لهجتهم الداعمة للحزب من حيث هم في دول خارجية زاروها وجالوا على رعايا لبنان فيها، وهو ايضا ما يدفع كبار المسؤولين في الدولة الى محاولة الفصل بين حزب الله اللبناني المشارك في الحكومة والحياة السياسية وحزب الله الاقليمي الذي لا يملك لبنان قدرة ردعه لارتباط قراره الاستراتيجي بإيران، وهو ما قاله من ابو ظبي اخيرا رئيس الحكومة سعد الحريري في حديثه الى وكالة انباء الامارات، اذ شدد على "أنه ينبغي توجيه الاتهام إلى حزب الله بوصفه جزءا من النظام الإقليمي وليس بصفته أحد أطراف الحكومة اللبنانية".
واذا كان الرئيس بري يأخذ على عاتقه مهمة التعاطي بـ"المناسب" مع الاميركيين وعقوباتهم، من موقعه الرسمي على رأس السلطة التشريعية ومن حنكة سياسية مشهود له بالتفوق فيها، فإن المصادر تقول لـ"المركزية"، ان في جعبة بري ثلاثة ملفات قادر على استخدامها، اذا لم يكن للمواجهة، فعلى الاقل ليحمل واشنطن على "التفكير مرتين" قبل محاولة خنق الحزب بالعقوبات.
اول هذه الملفات، بحسب المصادر، ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان واسرائيل. هذا الملف، يعتبر الرئيس بري، انه بقدر ما يشكل مصلحة للبنان لحماية ثروته من النفط والغاز لا سيما في المناطق المتنازع عليها حدوديا مع اسرائيل، هو حاجة اميركية اذا ارادت ادارة الرئيس دونالد ترامب تسويق مشروعها للسلام معدلا بعدما تعرض لموجة رفض عارمة. ذلك ان الاشكالية الحدودية بين لبنان واسرائيل هي احدى القضايا النزاعية الواجب ارساء حل نهائي لها ليسير السلام قدما، بخاصة ان تأمين الامن للحليف الاسرائيلي يتصدر قائمة اولويات الولايات المتحدة.
اما ثانيها، فتمثله مصلحة واشنطن في الاستثمار في النفط اللبناني المتوقع، في ظل ابداء شركات اميركية رغبتها في المشاركة في عمليات التنقيب عن النفط في مرحلتها الثانية، ما يعني عمليا ان الرئيس بري قادر على الامساك بهذه الورقة لاستخدامها في الكباش، وهو يحسن توظيفها من دون شك.
آخر الملفات القديمة المستجدة، ورقة النازحين السوريين الذي اعلن حزب الله على لسان اكثر من مسؤول اخيرا انه قد يستخدمها في وجه الغرب اذ "يكفي أن نلوّح بورقة النازحين السوريين حتى تأتي كل دول أوروبا راكعة أمام إرادتنا..." كما جاء على لسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، وكما لوّح نائب الامين العام الشيخ نعيم قاسم. فهل ينجح رئيس البرلمان في لعب اوراقه جيدا على طاولة العقوبات الاميركية فيكسب الرهان ام يدفع لبنان دولة وشعبا ثمن "المقامرة" بالوطن؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك