في أحرج اللحظات السياسية وأكثر الاوضاع هشاشة ماليا واقتصاديا، وفي أدقّ المراحل الاقليمية وانعكاسات صراعاتها المباشرة على لبنان، عقوبات وشد خناق على بعض القوى السياسية، وفيما البلاد تترنح على حافة الهاوية في انتظار مساعدة من هنا او دعم مالي من هناك، ثمة من يصر على اضافة لبنة الى بنيان الملفات الخلافية التي تعبق بها الساحة الداخلية من خلال اثارة ملفات معروفة سلفا الى اين تقود وما هي تداعياتها.
بين ابرز هذه الملفات اثنان يتسمان بكثير من الحساسية في اي لحظة يطرحان فيها فكيف بالحري في وضع مماثل؟ الملف الاول رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى المجلس النيابي لتفسير المادة 95 من الدستور والتي تبحث في جلسة برلمانية محددة في 17 الجاري، نظرا لدقة طابعها الممكن ان يقود الغوص في مناقشاتها الى شرخ طائفي عمودي ليس الزمان زمانه، ويبدو ان اتصالات تدور بين المقار المعنية اما لسحب الرسالة والغاء الجلسة وهو خيار يسعى الى تسويقه نائب رئيس المجلس ايلي الفرزلي بحيث تردد ان رئيس المجلس قد يطلب من رئيس الجمهورية سحب رسالته، او يبادر الرئيس ميشال عون بالتفاهم مع رئيس المجلس إلى سحبها.
وفي انتظار الاتصالات على هذا المحور من دون توافر اي ضمانة حتى اللحظة بالغاء الجلسة، يبدو الملف الثاني اكثر سخونة ولا يقل عن الاول دقة. اقتراح قانون الانتخاب المقدم من نواب كتلة التنمية والتحرير الذي يرتكز الى قاعدة لبنان دائرة انتخابية واحدة واعتماد النسبية. هذا الاقتراح، بحسب ما تقول اوساط سياسية مسيحية ليس بريئا لا في خلفياته ولا في ابعاده ولا حتى في توقيته الذي يدفع الى الشك. واكثر ما يثير الريبة، هذا الاصرار على المضي في البحث فيه وتعيين جلسة للجان المشتركة بعد غد الاربعاء لاستكمال النقاش، بعدما طُرح في جلسة اولى في 25 ايلول الفائت قافزا فوق محطات درسه في كل لجنة معنية بدراسته على حدة، وهي المال والموازنة، الادارة والعدل، الشؤون الخارجية، الدفاع الوطني والداخلية والبلديات والاعلام والاتصالات حيث احاله الرئيس بري مباشرة الى اللجان المشتركة برئاسة نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي.
تستغرب الاوساط هذه الاندفاعة غير المفهومة في تعيين جلسة سريعة لاستكمال النقاش في اللجان على رغم اوضاع البلاد المهترئة، وترى فيها ما يطرح علامات استفهام عن الهدف المبطّن ومسعى البعض بحثا عن ضمانات قد تشكل بديلا من "فائض قوة" عسكري مرشح للزوال في وقت غير بعيد، استنادا الى المعطيات الخارجية، وما يجري في العراق انموذج، بحيث يُستبدل بفائض قوة سياسي يمكن عبره التحكم بالعملية الانتخابية على مساحة الوطن وضمان الحصول على الاكثرية النيابية، وتاليا الامساك بزمام القرار في البلاد، كما يمسك بها راهنا. وترى ان خلف الاقتراح توقيت "ذكي" في لحظة تقلّص النفوذ السني وتراجع الدور المسيحي نسبيا، فاذا ما نجح في بلوغ هدفه هذا يكرّس نفوذه الى الابد.
غير ان الاوساط تؤكد ان الاتصالات المفتوحة بين التكتلين المسيحيين الاكبر "الجمهورية القوية" و"لبنان القوي"، وهي في اكثر لحظات زخمها قبل جلسة الاربعاء، ستقطع الطريق على مجرد المحاولة للعبث بالميثاقية. واذ تؤكد مشاركة نواب الفريقين في الجلسة تشير الى تفاهم بينهما على التأكيد ان الاولوية اليوم مالية اقتصادية والوقت غير مناسب لطرح من هذا القبيل يمسّ مسألة بالغة الحساسية، واذا ما لمسوا رفضا للتمني المسيحي واصرارا على المضي بالاقتراح، فالموقف التصعيدي جاهز ومنسّق وصولا الى الانسحاب من الجلسة لافقادها ميثاقيتها، وعدد نواب الفريقين يكفي ويزيد.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك