تعيش القوى السياسية هاجس الشكّ المتبادل. فجأة سقط عامل الثقة في فخّ الأحداث المتلاحقة، وتعاظم الشعور بالارتياب نتيجة تراكمات حبلت بها المرحلة الماضية وتجلّت في أكثر من محطة، ولو أنّها غير مترابطة عضوياً.
كان يفترض بـ"التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" أنهما يخططان لكسر جليد الخلافات المزمنة بينهما، من خلال استضافة رئيس الأول جبران باسيل في مركزية الثاني، في محاولة للإجابة على هواجس "المستقبليين" وملاحظاتهم على سلوك وزير الخارجية التي تأتي دوماً على شكل تساؤلات وانتقادات.
وإذ بتغريدة نارية للنائب زياد أسود، تطيح كل الجهود المشتركة التي كانت تبذل في سبيل التخفيف من حدّة الاحتقان على خطّ بيت الوسط - ميرنا الشالوحي.
وبعدما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري دينامو المصالحة التي شهدها قصر بعبدا بين رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس الحزب "الديموقراطي اللبناني" طلال ارسلان، أحيطت حركة رئيس المجلس خلال الأيام الأخيرة بدائرة من الشكوك المقتبسة من تهمة المشاركة ولو ضمنياً في حملة الاستهداف التي تعرّض لها العهد.
عملياً، لم يكن الغضب الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية خلال الساعات الأخيرة، والمتفجّر في وجه حملات اشتغلت بتنظيمٍ هادفٍ لضرب العهد من بوابة النقد، ابن ساعته. لا بل هو نتاج تراكمات رسمت مساراً مشبوهاً، برأي العونيين، ودفعت رئيس الجمهورية إلى التحذير من المضي بهذا المشروع.
وفق المعنيين، انطلقت أولى الإشارات المثيرة للشكوك، بعد أحداث قبرشمون، حيث تبيّن أنّ جبهة سياسية بصدد التشكل في وجه رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، وقوامها رئيس الحكومة، رئيس المجلس، جنبلاط، ورئيس حزب "القوات" سمير جعجع.
طبعاً، هي لم تكن جبهة بكل معنى الكلمة، لكنّ خطوطاً مشتركة بدت موضع التقاء بين تلك القوى، ما رفع منسوب الارتياب في أذهان العونيين مما تضمره مكونات هذا التجمع. الهدف المشترك تمثّل في تلك اللحظة، في عزل العهد وإضعافه، وقطع الطريق استطراداً على باسيل في معركته الرئاسية.
وقد حاول الثلاثي بري، جنبلاط، وجعجع، كل على طريقته، جذب الحريري إلى ضفّتهم بعد توسيع مساحة تبايناته مع العهد. الأخير قام بما يستطيع لنجدة الزعيم الدرزي، لكنه لم يسلّم أوراقه للثلاثي، لالتصاقه بالتسوية الرئاسية ولقناعته أنّ بقاءه في رئاسة الحكومة من بقاء عون في بعبدا. حتى أنّ بري، كما يجزم المعنيون، لا يخاطر بخوض معركة الرئاسة قبل أوانها، خصوصاً وأنّ المنطقة مقبلة على تغييرات جذرية قد لا تعفي الاستحقاق الرئاسي من لمسات قد لا تظهر إلا في اللحظات الأخيرة.
وفي الأسابيع الأخيرة، دخل العامل الأميركي على الخط من خلال الدفعة الجديدة من العقوبات التي طالت هذه المرة مصرف "جمال". صحيح أنّ الإجراء الأميركي لم يكن مفاجئاً، لكن انضمامه إلى سلّة التطورات على الساحة الداخلية، رفع من منسوب الشكوك في قصر بعبدا حول مخطط لاستهدافه، إلى أن حطت أزمة شحّ الدولار رحالها في السوق النقدية ما أثار الرعب في نفوس اللبنانيين ودفعهم إلى الشارع، لتثبت بما لا يقبل الشك وجود مشروع مشبوه يريد النيل من الفريق العوني.
يقول المعنيون إنّ هذه الأحداث لم تكن مترابطة، لكن سياقها بدا مشبوهاً بعدما جرى تحميل العهد، مسؤولية أزمة مالية - اقتصادية عمرها عقود خصوصاً وأنّ شركاءه الحكوميين هم من صاغوا السياسات المالية منذ تسعينات القرن الماضي، ما دفع الفريق العوني إلى اسقاط صفة البراءة عن تسلسل الأحداث الحاصلة.
هذا السيناريو بالذات، هو الذي حرّض العونيين على السؤال عن موقف "حزب الله" تجاه الأحداث الأخيرة، فيما راحوا يبحثون في هويات المعترضين في الشارع بحثاً عن أدلة تثبت اتهاماتهم. ولهذا لم تستثن مواقف نواب "تكتل لبنان القوي" حليف وثيقة "مار مخايل" في الأيام الأخيرة من رزمة انتقاداتهم.
فـ"الحزب" قرر خوض معركة مكافحة الفساد، وهو يعتبر نفسه كغيره من مكونات السلطة معنياً بورشة النهوض الاقتصادي بدليل تأييده وللمرة الأولى موازنة العام 2019 وكل مقررات "سيدر".
لكن مسؤوليه يقولون في مجالسهم الخاصة إنّ معركتهم الاصلاحية تواجه حائطاً مسدوداً لأسباب تتصل بالسلطة القضائية أولاً، وبالسلطة السياسية الغارقة في فسادها والتي تكتفي بتراشق التهم بالمسؤوليات من دون أن تقدم على أي خطوة جديّة.
ومع ذلك، هم يعرفون تماماً أنّ "حزب الله" لم ولن يستخدم ورقة الشارع في هذه الظروف الدقيقة، لأسباب عديدة، يعددها المطلعون على موقف "الحزب" على الشكل الآتي:
- سيصار إلى ربط أي تحرك قد يقوم به "حزب الله"، بالعقوبات الأميركية بحيث يفقد الحراك قيمته الحقيقية لمصلحة تسييسه وضمّه إلى الصراع الاقليمي الحاصل خلف الحدود.
- إن النزول إلى الشارع سيُستثمر على أنه موجّه ضدّ عهد الرئيس عون، وهو أمر يستحيل أن يقوم به "حزب الله".
- إذا لم تكن الخطوة محصّنة شعبياً بحيث تكون نتائجها مضمونة، فلن يقدم عليها "حزب الله".
ورغم كل هذه السردية، يتصرف العهد على أساس أنّ التسوية الرئاسية، الثنائية بوجهها المباشر، والثلاثية بوجهها غير المباشر، صامدة حتى نهاية العهد... طالما أنّ الحريري "محبوس" في خياراته، ولا ملجأ له إلّا الرئاسة الأولى.
كان يفترض بـ"التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" أنهما يخططان لكسر جليد الخلافات المزمنة بينهما، من خلال استضافة رئيس الأول جبران باسيل في مركزية الثاني، في محاولة للإجابة على هواجس "المستقبليين" وملاحظاتهم على سلوك وزير الخارجية التي تأتي دوماً على شكل تساؤلات وانتقادات.
وإذ بتغريدة نارية للنائب زياد أسود، تطيح كل الجهود المشتركة التي كانت تبذل في سبيل التخفيف من حدّة الاحتقان على خطّ بيت الوسط - ميرنا الشالوحي.
وبعدما كان رئيس مجلس النواب نبيه بري دينامو المصالحة التي شهدها قصر بعبدا بين رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس الحزب "الديموقراطي اللبناني" طلال ارسلان، أحيطت حركة رئيس المجلس خلال الأيام الأخيرة بدائرة من الشكوك المقتبسة من تهمة المشاركة ولو ضمنياً في حملة الاستهداف التي تعرّض لها العهد.
عملياً، لم يكن الغضب الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية خلال الساعات الأخيرة، والمتفجّر في وجه حملات اشتغلت بتنظيمٍ هادفٍ لضرب العهد من بوابة النقد، ابن ساعته. لا بل هو نتاج تراكمات رسمت مساراً مشبوهاً، برأي العونيين، ودفعت رئيس الجمهورية إلى التحذير من المضي بهذا المشروع.
وفق المعنيين، انطلقت أولى الإشارات المثيرة للشكوك، بعد أحداث قبرشمون، حيث تبيّن أنّ جبهة سياسية بصدد التشكل في وجه رئيس الجمهورية وفريقه السياسي، وقوامها رئيس الحكومة، رئيس المجلس، جنبلاط، ورئيس حزب "القوات" سمير جعجع.
طبعاً، هي لم تكن جبهة بكل معنى الكلمة، لكنّ خطوطاً مشتركة بدت موضع التقاء بين تلك القوى، ما رفع منسوب الارتياب في أذهان العونيين مما تضمره مكونات هذا التجمع. الهدف المشترك تمثّل في تلك اللحظة، في عزل العهد وإضعافه، وقطع الطريق استطراداً على باسيل في معركته الرئاسية.
وقد حاول الثلاثي بري، جنبلاط، وجعجع، كل على طريقته، جذب الحريري إلى ضفّتهم بعد توسيع مساحة تبايناته مع العهد. الأخير قام بما يستطيع لنجدة الزعيم الدرزي، لكنه لم يسلّم أوراقه للثلاثي، لالتصاقه بالتسوية الرئاسية ولقناعته أنّ بقاءه في رئاسة الحكومة من بقاء عون في بعبدا. حتى أنّ بري، كما يجزم المعنيون، لا يخاطر بخوض معركة الرئاسة قبل أوانها، خصوصاً وأنّ المنطقة مقبلة على تغييرات جذرية قد لا تعفي الاستحقاق الرئاسي من لمسات قد لا تظهر إلا في اللحظات الأخيرة.
وفي الأسابيع الأخيرة، دخل العامل الأميركي على الخط من خلال الدفعة الجديدة من العقوبات التي طالت هذه المرة مصرف "جمال". صحيح أنّ الإجراء الأميركي لم يكن مفاجئاً، لكن انضمامه إلى سلّة التطورات على الساحة الداخلية، رفع من منسوب الشكوك في قصر بعبدا حول مخطط لاستهدافه، إلى أن حطت أزمة شحّ الدولار رحالها في السوق النقدية ما أثار الرعب في نفوس اللبنانيين ودفعهم إلى الشارع، لتثبت بما لا يقبل الشك وجود مشروع مشبوه يريد النيل من الفريق العوني.
يقول المعنيون إنّ هذه الأحداث لم تكن مترابطة، لكن سياقها بدا مشبوهاً بعدما جرى تحميل العهد، مسؤولية أزمة مالية - اقتصادية عمرها عقود خصوصاً وأنّ شركاءه الحكوميين هم من صاغوا السياسات المالية منذ تسعينات القرن الماضي، ما دفع الفريق العوني إلى اسقاط صفة البراءة عن تسلسل الأحداث الحاصلة.
هذا السيناريو بالذات، هو الذي حرّض العونيين على السؤال عن موقف "حزب الله" تجاه الأحداث الأخيرة، فيما راحوا يبحثون في هويات المعترضين في الشارع بحثاً عن أدلة تثبت اتهاماتهم. ولهذا لم تستثن مواقف نواب "تكتل لبنان القوي" حليف وثيقة "مار مخايل" في الأيام الأخيرة من رزمة انتقاداتهم.
فـ"الحزب" قرر خوض معركة مكافحة الفساد، وهو يعتبر نفسه كغيره من مكونات السلطة معنياً بورشة النهوض الاقتصادي بدليل تأييده وللمرة الأولى موازنة العام 2019 وكل مقررات "سيدر".
لكن مسؤوليه يقولون في مجالسهم الخاصة إنّ معركتهم الاصلاحية تواجه حائطاً مسدوداً لأسباب تتصل بالسلطة القضائية أولاً، وبالسلطة السياسية الغارقة في فسادها والتي تكتفي بتراشق التهم بالمسؤوليات من دون أن تقدم على أي خطوة جديّة.
ومع ذلك، هم يعرفون تماماً أنّ "حزب الله" لم ولن يستخدم ورقة الشارع في هذه الظروف الدقيقة، لأسباب عديدة، يعددها المطلعون على موقف "الحزب" على الشكل الآتي:
- سيصار إلى ربط أي تحرك قد يقوم به "حزب الله"، بالعقوبات الأميركية بحيث يفقد الحراك قيمته الحقيقية لمصلحة تسييسه وضمّه إلى الصراع الاقليمي الحاصل خلف الحدود.
- إن النزول إلى الشارع سيُستثمر على أنه موجّه ضدّ عهد الرئيس عون، وهو أمر يستحيل أن يقوم به "حزب الله".
- إذا لم تكن الخطوة محصّنة شعبياً بحيث تكون نتائجها مضمونة، فلن يقدم عليها "حزب الله".
ورغم كل هذه السردية، يتصرف العهد على أساس أنّ التسوية الرئاسية، الثنائية بوجهها المباشر، والثلاثية بوجهها غير المباشر، صامدة حتى نهاية العهد... طالما أنّ الحريري "محبوس" في خياراته، ولا ملجأ له إلّا الرئاسة الأولى.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك