نظمت جمعية متخرجي الجامعة الاميركية، بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية، ورشة عمل افتتحتها في مقر الجمعية - الحمرا، تستمر الى الخميس المقبل، تحت عنوان "ورشة تدريب قياديين"، في حضور وزيرة الدولة لشؤون التنمية الادارية عناية عز الدين، ممثل وزير الدفاع العميد نقولا رعيدي، مدير التعليم في الجيش العميد الركن امين العرم، وأعضاء جمعية متخرجي الجامعة الاميركية والشخصيات المشاركة في الورشة من عرب واجانب.
وألقى رئيس جمعية متخرجي الجامعة الاميركية في بيروت فواز المرعبي كلمة، مرحبا بافتتاح ورشة العمل برعاية عز الدين، وقال: "دورنا في الوطن منذ عام 1910، اي 107 اعوام على التأسيس، لم يقتصر على المتخرجين، بل هو وطني على جميع الصعد، ورسالة الجامعة ليست حكرا على المتخرجين، فهي لجميع مجتمعاتهم، والجمعية كانت وستبقى دائما احد الاعمدة الاساسية في بنية المجتمع اللبناني والعربي".
أضاف: "إن الجمعية بعدما أصبحت المركز الثقافي الوحيد الذي لا يزال يعمل في محيطها من رأس بيروت الى الاشرفية وضواحي بيروت، بادرت الى تنويع نشاطاتها لتطوير المجتمع وتحفيزه على الابقاء على تماسكه وتشجعيه على عدم الهجرة، وان تقدم من خلال اعضائها المتطوعين دورات تدريبية ادارية ومهنية تهدف الى تطوير الفرد والمجتمع لقاء بدلات رمزية وواقعية، بعدما وصلت العدوى من السياسيين الى المؤسسات التدريبية، وأصبح التدريب والتطوير في زمن يتجه فيه العالم الى دعم العلم والمعرفة وسيلة للاثراء غير الواقعي، ونبتت الجامعات على انواعها، واصبح التعليم تجارة غايتها الربح، واصبحت القيم وثقافة المواطنة جزءا من التراث".
وأوضح أن "هذه الدورة هي العاشرة من نوعها شارك فيها لغاية الان على 4 مستويات نحو 700 شخص، رافقتها دورات تدريبية تركز على فهم التداول في الاسواق المالية واكتشاف التزوير في البيانات المالية والتداعيات القانونية على التزوير والاختلاس".
وسأل: "لماذا القيادة خلال الذكاء العاطفي EQ وNEUROSCIENCE؟ وما الفرق بينه وبين IQ وINTELLIGENCE ARTIFICIAL؟ السبب هو إيماننا بأن التطور الاجتماعي والعقلي لا بد ان يرتكز على مقومات ومفاهيم جديدة، محافظا على القيم والمعايير الاساسية، وإن ال EQ يمتاز بمؤهلات وقدرات الذات بين تكوين الرجل والمرأة والزوج والزوجة والتلميذ والاستاذ والعسكري والطبيب، ويبقى ال IQ يعتمد معيارا واحدا اساسه القدرة العقلية.
من هنا أتى قرارنا اعتماد هذه الدورات، مع العلم انه تم اعتمادها في الجيش الاميركي، وبدأ الإعداد لها في المناهج التعليمية في المدارس والمعاهد والجامعات في الولايات المتحدة".
وألقى مدير التعليم في الجيش العميد الركن العرم كلمة باسم قيادة الجيش، وقال: "مرة اخرى نلتقي بدعوة من جمعيتكم الكريمة، جمعية متخرجي الجامعة الاميركية في بيروت، التي تمثل واحدة من اهم منارات لبنان التعليمية والثقافية، لنتشارك معا في هذه الندوة التي تحمل عنوان "الذكاء العاطفي الاجتماعي والقيادة"، فشكرا على دعوتكم الطيبة، وحرصكم الدائم على ان تكون المؤسسة العسكرية في صلب اهتماماتكم ونشاطاتكم التي تعود بالخير على الوطن والمواطن".
اضاف: "قد يبدو للوهلة الاولى ان الموضوع المطروح في هذه الندوة ذو طابع خاص لا يتعدى اطار الشخصية الفردية او العلاقات الانسانية العادية داخل حلقات المجتمع، لكن اذا ما تم التعمق فيه وسبر اغواره، نجده بكل وضوح ركنا اساسيا من بناء المواطن الفاعل والمنتج والمجتمع المتماسك المستقر، خصوصا في ظل عالمنا المعاصر الذي يشهد سباقا محموما بين التطور العلمي والتكنولوجي من جهة، وازدياد الحاجات والمتطلبات واحتدام المشكلات والازمات من جهة اخرى، بما يفرض على الحكومات والمؤسسات المعنية العمل على تنمية الذكاء العاطفي الاجتماعي والقيادة لدى المواطنين، أي تنمية القدرة على وعي المشاعر والميول لدى الفرد والآخرين، وتأثيراتها المتبادلة وتنظيمها وادارتها بمهارة عالية، مما يؤدي في نهاية المطاف الى بناء جسور الثقة والتواصل والتفاعل بين الجميع".
وتابع: "اذا كان الذكاء العاطفي والاجتماعي حاجة لا بد منها للادارة الناجحة في المؤسسات المدنية من خلال مساعدة المسؤولين التراتبيين فيها على انجاز الاعمال المطلوبة في مناخ من الاندفاع والتكيف والتفاعل الايجابي، فإن هذا الذكاء يصبح أكثر من ضرورة في المؤسسات العسكرية والامنية، انطلاقا من الدور الحساس الذي تقوم به هذه المؤسسات على صعيد الوطني العام، وبالتالي فإن أي خلل في منظومة القيادة والسطيرة لدى السلطات التراتبية كافة، ينعكس سلبا على اداء المهمات المطلوبة من حيث الحرفية والمرونة والانتاج، والى جانب ذلك كله، فان تنمية هذا الذكاء بالشكل المناسب داخل المجتمع المدني تسهم الى حد كبير في تخفيف حالات العنف والاجرام وردات الفعل السلبية بين افراده، وبالتالي تسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي الذي بدوره يسهل على قيادات المؤسسات العسكرية والامنية ووحداتها وافرادها تنفيذ مهمات ضبط الامن والحفاظ على الانتظام العام في البلاد".
ثم ألقت عز الدين كلمة قالت فيها: "بداية كل الشكر لكم على هذه الدعوة، وهي فرصة لأتحدث عن هموم الادارة العامة في لبنان والتي تحتاج لكثير من الجهود ومن مختلف الاطراف للنهوض بها لان معالجة ازمة الادارة العامة هي المقدمة الضرورية لقيام المؤسسات وبناء الدولة في لبنان.
وقذ ذهب البعض محقا الى اعتبار الادارة العامة هي المرض العضال الذي يعانيه لبنان منذ القرن التاسع عشر ولا شك ان معالجة هذه الازمة ضرورة وتحتاج لمساهمات من مختلف الجوانب والمستويات و المطلوب اولا وقبل كل شىء قرار سياسي لاعادة بناء الثقة بين الادارة العامة والمواطن اللبناني وهذا يتطلب قرارات تاريخية على مستوى مكافحة الفساد في الادارة العامة وملء الشغور وبناء ادارة عامة تتمتع باستقلالية بمعنى القدرة على اتخاذ القرار المناسب بمعزل عن الضغوطات السياسية وتحت سقف القانون.
والحق يقال ان هذا الامر لم يعد ترفا، انه ضرورة، لان احد تعريفات الدولة الفاشلة هي انها دولة تفقد فيها الادارة العامة الحس بمسؤوليتها كإدارة. ومهمة منع وصول البلاد الى هذا المستوى هي مهمة مشتركة مع كل الاطراف الفاعلة في القطاعين العام والخاص وفي المجتمعين المدني والاهلي وفي المؤسسات الثقافية والفكرية والتربوية، وعلى رأسها الجامعات. واعتقد ان الجهود التي تبذل هنا في الجامعة الاميركية ومن خلال جمعيتكم تصب في هذا الاطار. كما ان العنوان المهم لورشة العمل "القائد في داخلي" The Leader In Me يحفزنا على طرح عدد من الافكار.
اولا: يطرح في العالم اليوم مبادىء جديدة للادارة العامة تنطلق من كون الادارة العامة هي الخدمة العامة التي تقوم على افكار ابرزها:
- تقديم الخدمة بدل القيام بدور التوجيه.
- استهداف المصلحة العامة لا النتيجة الثانوية.
- التفكير استراتيجيا والعمل ديمقراطيا.
- التعامل مع مواطنين لا مع زبائن.
- تقدير الانسان لا الانتاجية فقط.
- التفكير بأن الحكومة هي ملك للمواطنين.
وهذا يتطلب اعداد الموظفين والعاملين في الادارة العامة للقيام بهذه المهام، وهذا يقودنا للحديث عن النقطة الثانية، وهي ضرورة تأهيل المدراء والموظفين في القطاع العام لاداء الادارة الجديدة بمفهومها الحديث".
وأضافت: "المعروف ان لبنان كمعظم دول العالم الثالث يفتقر الى ما يسمى سوسيولوجيا الادارة العامة، اي دراسة التكوين البشري للادارة ومواصفاته وعلاقات الإجتماع التي تحكمه، واعتقد ان ما تعملون عليه في ورش عملكم هو جزء من العمل السوسيولوجي الذي يساهم في تفعيل الادارة وتطويرها في القطاعين العام والخاص. وقد لفتني تركيزكم على مفهوم الذكاء العاطفي الذي يشكل أحد المتغيرات الأساسية التي أخذت في البروز كأحد الصفات الجوهرية للعاملين في الادارة، سواء على المستوى القيادي او غير القيادي. ويعرف العاملون في هذا المجال، الذكاء العاطفي بأنة القدرة على التعرف على شعورنا الشخصي وشعور الآخرين، وذلك لتحفيز أنفسنا، ولإدارة عاطفتنا بشكل سليم في علاقتنا مع الآخرين.
كما تشير الدراسات الى ان الذكاء العاطفي يمثل 85% من أسباب الأداء المرتفع للأفراد القياديين. وتكثر الدراسات التي تتحدث عن تأثير الذكاء العاطفي على الأداء المؤسسي، وباستخدام الذكاء العاطفي يمكن مضاعفة إنتاجية الموظفين في بعض الأدوار التي يقومون بها.
ثالثا: هذه الاهداف هي جزء من الاهداف التي اردناها من خلال مشروع التحول الرقمي الذي نعمل عليه في وزارة الدولة للتنمية الادارية انه الخطوة الكبيرة لتطوير القطاع العام. بالطبع نحن لا نتحدث عن عمل تقني محض، إنما عن تقنيات تستهدف الانسان والمواطن ومصلحته، عن تكنولوجيا من اجل الانسان وتحسين جودة حياة الانسان".
وتابعت: "نتوقع عند وضع مشروع التحول الرقمي حيز التنفيذ ان نصل الى رفع مستوى الكفاءة والفعالية للعمليات والاجراءات في القطاع الحكومي وتقليل تكاليفها واعادة هندسة اجراءاتها وتقديمها الكترونيا بفعالية وسرعة ودقة في الوقت المناسب اضافة الى تحقيق التكامل بين المشاريع الحكومية والقطاعات الخاصة وتسهيل التعاملات بينهما بما يخدم الاقتصاد الوطني.
هذه العملية تعتمد على التكنولوجيا وعلى الانسان ايضا الذي يبقى عمودها الفقري. لكنها تحتاج الى تغيير في النظرة الى دور الموظف والانتقال من ادارة شؤون الموظفين الى ادارة الموارد البشرية والاستثمار بالطاقات الكامنة داخل البشر، انسجاما مع التوجه العالمي الذي يعتبر أن الرساميل لا تقتصر على الثروات المادية، بل ان الانسان هو رأس المال الاهم. والاستثمار في هذا الرأسمال هو من اهم عناصر التنمية بحسب برنامج الامم المتحدة الانمائي. ان ما تقومون به من حيث المبدأ اي عملية التدريب، ومن حيث المضمون، أي العمل من أجل شخصيات قيادية في الادارات العامة والخاصة، هو جزء من عملية التنمية، لأن تطوير المهارات القيادية تدفع الانسان لينجح ومعه موظفوه ومؤسسته ومجتمعه، وهذه هي التنمية المتوازنة والمتسقة والمستدامة بعيدا عن فجوات داخل المجتمع الواحد.
من هذه المفاهيم ننطلق في مشروع التحول الرقمي، مع إيماننا بأنه في حال نجحنا في زرع مفاهيم الذكاء العاطفي لدى الطبقة السياسية الحاكمة اولا (وطبقة سياسية ذكية عاطفيا يعني ان تتوقف عن مصادرة الموارد العامة من اجل منفعتها الخاصة) ولدى العاملين في الادارة العامة ثانيا (وادراييين اذكياء عاطفيا يعني موظف مبادر ومسؤول ونزيه) فيمكن القول عندئذ ان مشروع التحول الرقمي هو مقدمة لحكومة مفتوحة تحقق الحوكمة الرشيدة وتستند الى معايير الشفافية والمساءلة والنزاهة والتشاركية في صنع القرارا والسياسات والتفاعل بين مختلف المكونات".
وختمت: "في انتظار الوصول الى هذا المستوى في لبنان، اسمحوا لي ان اشير الى تطور ايجابي حصل أخيرا، هو إقرار الموازنة في المجلس النيابي. الكل يعلم الاشكاليات التي طبعت هذا الاستحقاق، إلا أن ما حصل كان العمل وفق منطق الاولويات والضرورات، وهو ما عبر عنه الرئيس بري بالقول إن عدم إتمام قطع الحساب خطأ، إلا أن عدم اقرار الموازنة خطيئة. انجاز اقرار الموازنة يأتي لتأمين حد ادنى من الانتظام المالي ليتلاقى مع انتظام امني يتمثل بالاستقرار الذي ينعم به لبنان بفضل سهر ويقظة الجيش اللبناني والاجهزة الامنية، وسياسي بفضل توافق القوى السياسية. وكلنا ننتظر استكمال هذا المشهد بحصول انتخابات وفق قانون جديد قائم على النسبية، على امل ان يتمتع الشعب اللبناني بمقدار من الذكاء العاطفي، فيذهب الى خيار تجديدي تغييري يساهم في الغاء الطائفية السياسية وبناء دولة القانون والمؤسسات".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك