بين 13 تشرين 1990 و13 تشرين 2017، دارت الظروف السياسية اللبنانية والاقليمية دورة كاملة، معيدة العماد ميشال عون الذي خرج من القصر الجمهوري تحت وابل من القذائف السورية، الى بعبدا مجددا، رئيسا للجمهورية، بتسوية كبيرة كانت نواتها لبنانية الا انها ما كانت لتنضج وتثمر انتخابات، لو لم تحظ بمباركة واسعة اقليمية - دولية.
وتتحدث مصادر سياسية مراقبة عبر "المركزية" عن ملاحظات كثيرة يمكن تسجيلها على هامش هذه "المفارقة"، لعلّ أبرزها ان العداء "المزمن" بين فريق العماد عون السياسي والنظام السوري، انتهت فصوله مع انتهاء الوجود السوري العسكري في لبنان عام 2005، وقد أعلن عون شخصيا، إبان عودته الى لبنان في أيار من ذلك العام، ان لم يعد من داع لخصومة بين الجانبين "بعد أن عاد كل منهما الى بلاده".
وتعتبر المصادر ان طي مرحلة الكباش العوني - السوري، رغم ان النظام الحاكم في دمشق لا يزال نفسه ولا يزال يحجم عن تقديم اي مساعدة في كشف مصير مئات اللبنانيين المخفيين قسرا في سجونه، كان المحطة الاولى التي انطلق منها مشوار عودة "العماد" الى بعبدا، وقد استُتبعت بتبدلات جذرية في تموضع "الجنرال" السياسي، تمثل أهمّها في نسجه تحالفات متينة مع "حزب الله" خصوصا ومكونات فريق 8 آذار عموما، في انعطافة كبيرة ساهمت أيضا في تغيير صورته في ذهن القوى الاقليمية الفاعلة في الملف اللبناني، أي إيران وسوريا، وقرّبته أكثر من القصر الجمهوري. غير ان الجدير ذكره أن خطوات عون لاصلاح "البين" مع مَن خاصمهم طوال فترة وجوده في منفاه الباريسي، لم تكن كافية لانتخابه رئيسا للجمهورية. فبحسب المصادر، لم يبذل حلفاؤه الجدد المحليون والاقليميون أي جهود فعلية لتسهيل وصوله الى بعبدا، ولم يسعوا مثلا الى رأب الصدع "الرئاسي" بين "الجنرال" ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية والى اقناع الاخير بالانسحاب لصالح الاول، مكتفين بتفرّج ثقيل استمر أشهرا على التخبط الحاصل.
فكان ان بادر رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى محاولة كسر هذا الستاتيكو السلبي باعلانه دعم ترشيح العماد عون قبل ان ينضم اليه ايضا رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري مرسياً تفاهماً واسعاً معه جوهرُه ان يُنتخب عون رئيسا ويتسلم هو رئاسة الحكومة مع اتفاق على تحييد كافة الملفات الخلافية الكبري عن الساحة "الرسمية"، والتفرّغ لمعالجة القضايا اليومية للبنانيين وإطلاق ورشة انماء ونهوض اقتصادي.
وعليه، تضيف المصادر، كان الشغور الرئاسي ليستمر ويطول لولا خطوتا جعجع فالحريري، مشيرة الى ان فريق الرئيس عون مدعو عشية اطفاء العهد شمعته الاولى، الى جردة حساب موضوعية، تعيد تقويم ما حصل في الفترة السابقة، فيعيد رئيس الجمهورية، على اساسها، رسم خريطة تموضعه السياسي، محليا واقليميا. فاذا كانت "الوسطية" مطلوبة في التعاطي مع الاصطفافات التي تشهدها المنطقة، ولا بد من ان تشمل ايضا كافة الاطراف المحلية الذين ينحاز بعضهم علناً لطرف على حساب آخر، فإنها تستغرب ما آلت اليه العلاقة بين التيار والقوات والتهميش الذي تتعرض له الاخيرة في أكثر من ملف، حيث تجاوز رئيس التيار الوزير جبران باسيل رأيها مرارا في التعيينات القضائية والدبلوماسية على سبيل المثال لا الحصر. كما تستغرب ان يصر باسيل على الاجتماع بنظيره السوري وليد المعلم في خطوة من شأنها "استفزاز" حليفه في الحكم "المستقبل".
وتختم المصادر "لا بد أن يُصوّب هذا المسار، إنصافا لمن ساهموا، فعلا لا قولا، في ايصال العماد عون الى بعبدا".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك