أمضى «حزب الله» فترة تسع سنوات ونصف السنة تالية على توقيعه تفاهم «مار مخايل» مع العماد ميشال عون دون أن يعلن بشكل رسمي تبنيه ترشيح عون الى رئاسة الجمهورية. لم يفعلها الا أواخر العام الماضي وقبل أشهر قليلة من الافتراق «المستقبلي - القواتي» في «المسألة الرئاسية».
لكن «حزب الله» قبل وبعد تبنيه ترشيح عون، ظلّ يتعامل مع «صلح الدوحة»، الذي عاد ونقضه، على انه مدخل لتقويض المحددات الدستورية لتقاسم السلطة والتداول عليها والفصل بين السلطات بشكل متزايد من منعطف الى آخر، ومن محنة الى اخرى، مستثمراً بطبيعة الحال بهشاشة التركيبة السياسية وما تعكسه هذه الهشاشة أساساً من تناقضات موضوعية حقيقية بين المكونات اللبنانية المختلفة، وليس فقط مجرد تباين في الأهواء والأمزجة.
فمن جهة، برّر الحزب عدم حضوره لتأمين جلسة انتخاب رئيس بوجوب الاجماع حول المرشح الذي تأخر تسع سنوات ونصف السنة هو حتى أيّده رسمياً رغم أنه حليفه طيلة هذه الفترة. ومن جهة ثانية، أوجد مناخاً ترويجياً ليس فقط للحديث عن «مؤتمر تأسيسي»، بل لـ«أحاديث السلال». كل مرة تعترض الحياة السياسية عقبة في مكان ما تراه يتحدث عن «سلّة» ويصطنع خطباؤه وضعية مناقشين في «ورشة عصف ذهني» في لحظة هدوء كلامي ما بين تصعيدين مزمجرين!
الآن، وفي لحظة يظهر فيها مسعى جدي يقوده الرئيس سعد الحريري للتسريع بالانتخاب، وتجاوز «الكربجة» والاحتقان الذي يتغذى منهما الفراغ، يظهر اختلاف ينبغي اظهاره وليس تمييعه، بين «حزب الله» من جهة، وكل ألوان الطيف السياسي من ناحية ثانية، بما في ذلك الأطراف التي لا تزال مختلفة حول خياراتها الرئاسية.
اظهار هذا الاختلاف الموجود، انما الموجود بشكل متفاوت ومتردد، بين «كل من ليس حزب الله» وبين «حزب الله» هو أمر لا يحدث من تلقائه. يحتاج الى حنكة سياسية اضافية.
أساس هذه الحنكة الآن القدرة على التمييز بين «سلّة» و«سلّة».
من ناحية، صحيح، انتخاب رئيس يحتاج لتأمين جلسة انتخاب وليس الى سلّة. لكن من ناحية ثانية، التذكر بأننا قبل الفراغ الرئاسي كنا في وضعية رئيس بلا حكومة ثم دخلنا مع الفراغ الى وضعية حكومة بلا رئيس، تحتاج الى كلام سياسي صريح وواضح حول معالم الفترة التالية مباشرة لانتخاب الرئيس العتيد، اذا ما تأمن هذا الاستحقاق. الفترة التي تفصلنا عن الموعد القادم لجلسة الانتخاب كما حددها رئيس المجلس هي فترة من الطبيعي فيها ان يرتبط التحضير لتأمين نصاب الجلسة مع بلورة حد أدنى من الوضوح بعدها.
لكن هذا شيء، «وصلح دوحة جديد» كمدخل لانتخاب رئيس جديد هو شيء آخر. وهذا بدوره يفترض ان يكون ثابتة سياسية يتشكل اوسع اجماع حولها.
ليس صحيحاً اذاً اعتبار موقف رئيس المجلس مجرد انعكاس لتوزيع سياسي يقوم به «حزب الله»، لأن ما هو أوضح الآن أن هناك فارقاً جدياً بين كل مستوى المداولات في الموضوع الرئاسي بين الفرقاء من دون «حزب الله» وبين السياسة التي يتبعها هذا الحزب في الموضوع الرئاسي، والتي تتقصّد الى حد كبير اطالة عمر الفراغ لأكثر مدة ممكنة، مرة بحجة انه لا انتخابات الا بالاجماع حول عون، ومرة بحجة انه لا انتخابات الا بالاجماع حول السلة، لكن في الحالتين القصد ان لا انتخابات، وليس القصد ايصال عون او توصيل السلّة.
تأمين وضوح سياسي يريح الاقلاع في مرحلة ما بعد الانتخاب شيء، واشتراط «صلح دوحة جديد» ما قبل الانتخاب شيء آخر تماماً، خاصة وان هذا الاشتراط يقوم على اطمئنان الحزب بأن ليس هناك أساساً ما يتيح عقد «دوحة» جديد الآن، وان جرعة التفاؤل التي لا تزال محدودة، وان تكن الآن موجودة، او «مطروحة»، مرتبطة ببدء العد التنازلي لانتهاء التمديد الثاني للمجلس، ومحاولة اجتناب تعميم التعطيل والفراغ والاستعصاء، من خلال الفوز بانتخاب رئيس، ثم التحضير للانتخابات النيابية .. وطبعاً، التوصل الى «قانون انتخاب»، وهذه لا تزال مشكلة عويصة أكثر من مشكلة انتخاب رئيس الجمهورية.
لا مهرب أساساً من سلّة «محدودة» - زمنياً أيضاً - لتأمين النصاب، يكون مربطها وضوح مسار قانون الانتخاب، وبين سلّة «لامحدودة»، تثقل بالعناوين، بشكل واضح النزوع فيه الى اطالة عمر الفراغ.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك