نقلت صحيفة "السفير" عن رئيس مجلس النواب نبيه بري قوله في معرض نفيه اتهام خصومه له بالمسؤولية عن مخالفات البناء في جنوب لبنان: "اضطررت الى استعادة بعض سلوكيات الماضي وطلبت من عناصر حركة أمل النزول بسلاحهم في بعض المناطق لمنع مخالفات البناء وتسهيل مهمة القوى الأمنية".
يفضي ما نقلته الصحيفة عن رئيس السلطة التشريعية الى ثلاثة انطباعات على الاقل، الأول يتمثل في ان من يفترض ان يكون المسؤول الأول عن مراقبة تطبيق القانون في لبنان يقود تنظيماً مسلحاً وبوسعه ان يطلب منه النزول بسلاحه لـ"تطبيق القانون"، والثاني في ان عبارة "بعض المناطق" التي ساقها الرئيس تعني ان المناطق التي تتمتع فيها "حركة أمل" بنفوذ ميداني هي نفسها التي شهدت مخالفات بناء، مما يفضي الى استنتاج مفاده ان ثمة علاقة بين هذا النفوذ وبين مخالفات البناء، وان السلاح الذي أشار اليه الرئيس هو أحد أدوات النفوذ المفضي الى المخالفات، خصوصاً ان لا مخالفات بناء في المناطق التي يتمتع فيها التيار العوني بنفوذ، مثلاً لا حصراً.
اما الانطباع الثالث فهو التساؤل مع الرئيس عن سبب عدم مبادرة وزير الداخلية الى شكر "حركة أمل" على نزولها الى الشارع بالسلاح لمساعدة القوى الأمنية في مكافحة مخالفات البناء، على غرار ما فعل الوزير خلال حملة "النظام من الإيمان" التي نظمها "حزب الله" في الضاحية الجنوبية والتي استعان فيها بالقوى الأمنية في محاولة لم تنجح لاستدراك التبعات الفادحة لغياب الدولة القسري عن تلك المنطقة.
لكن ما الذي حذا بـ"حركة أمل" و"حزب الله" على رفع الصوت في وجه مخالفات البناء؟ ثمة سبب من دون شك، لا سيما ان هذه المخالفات جرت برعايتهما، وفي مناطق لا يمكن عاقلاً ان يتصور ان "تيار المستقبل" هو المسؤول فيها عن مخالفات البناء فيها، على نحو ما حاولا ان يروجا!
الجواب الوحيد عن هذا التساؤل هو ان الفوضى التي تراكمت بفعل منع الدولة من فرض القانون في تلك المناطق وصلت الى مستويات أشعرت كلاً من "أمل" و"حزب الله" بأن الفوضى ستأكل كل شيء، ومن بين ما ستأكله قناعة الناس بنفوذهما. اذاً لا بد مرة أخرى من الاستعانة بالقوى الأمنية لترميم هذا النفوذ، مع الإبقاء على السلاح لـ"مساعدة" هذه القوى.
الجميع ومن بينهم "حزب الله" و"حركة أمل" يعرف حقيقة فشل حملة "النظام من الايمان" قبل أكثر من سنة في الضاحية الجنوبية، واليوم نحن أمام فرصة فشل مماثل في الحملة على مخالفات البناء. اذ ان البداية العرجاء لهذه الحملة، والتي باشرتها القوى الأمنية برعاية سلاح "حركة أمل"، على ما أقر الرئيس، تشي بما في الإناء.
لنضع جانباً الثقة العمياء التي يمنحها اللبنانيون لسلاح "حركة أمل"، فهذا ليس مجالاً للخلاف، لكن لم يسبق ان نجحت تجربة واحدة في العالم لفرض القانون من دون سلطة كاملة النفوذ والصلاحيات. فإما ان دولة كاملة القوة والشرعية تمنع المخالفات من دون مساعدة عسكرية من "حركة أمل"، واما لا دولة تضيع فيها الحقوق العامة والخاصة على نحو ما يكابده اليوم الجنوبيون.
قبل ان يُطلق رئيس السلطة التشريعية تصريحه لجريدة "السفير"، كنا على وشك الاقتناع بأن السلاح الذي تدعي "14 آذار" انه غير شرعي، وتطلب نزعه بتعليمات من واشنطن، انما هو سلاح لمقاومة اسرائيل، واذا به أيضاً سلاح لمنع مخالفات البناء! فمن الذي يضمن لنا، اذا ما نزعنا سلاح "حركة أمل"، وقف هذه المخالفات؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك