لا شيء يوازي الفوضى في عمليات الكر والفر على مثلث مصراتة - أجدابيا - البريقة، إلا التناقض الذي لا يصدق، بين قوى التحالف التي تطبق القرار 1973. اليوم يبدأ الشهر الثاني على عمليات التحالف الذي يتولى تنفيذ قرار مجلس الامن حماية المدنيين الليبيين، ولكن من دون بروز أي مؤشرات حاسمة على الصعيد الميداني. فلا عمليات القصف، التي انسحبت منها أميركا فتحت طريق الانتصار أمام الثوار، ولا القذافي تمكّن من اجتياز المثلث الميداني المذكور في اتجاه بنغازي. وهكذا يمكن الافتراض أننا أمام حرب استنزاف، داخل دائرة حرب أهلية طويلة الأمد، مع ما تخلّفه من قتلى ودمار ومآس متزايدة. واذا كانت فرنسا الأكثر اندفاعاً لإسقاط نظام القذافي، فها هو وزير دفاعها جيرار لونغيه يعلن صراحة ان أمد النزاع سيطول... ولماذا؟ "لأن الحرب طويلة ومعقدة وستكون معقدة وطويلة... ولأن من غير الممكن التكهن بما قد يفعله القذافي وما قد يجري في ليبيا" [هكذا بالحرف]! يأتي هذا التصريح الغريب بعد شهرين على بدء العمليات، التي قيل إنها لم تؤدّ إلى تدمير أكثر من 30 في المئة من سلاح القذافي. ولكي يزداد الأمر غرابة، يجب أن نتذكر كلام الأمين العام لحلف شمال الاطلسي أندرس فوغ راسموسن من أن الحلف يحتاج الى مزيد من المقاتلات وأنه يعاني نقصا في القذائف، فهل يعني هذا ان طيران فرنسا وبريطانيا لا يستطيع أن يقصف دولة مثل ليبيا مدة شهرين؟ وهل نحن أمام مهزلة، الهدف منها تعمّد أميركا الواضح إفهام دول حلف الأطلسي أنها أخطأت في تقليص ميزانياتها العسكرية وأنها من دون القوة الأميركية لن تكون قادرة على حماية أوروبا عينها؟
ولا ندري لماذا يكلف أوباما وساركوزي وكاميرون أنفسهم عناء كتابة مقال مشترك، إذا كانوا يبلغوننا: "إن هدفنا ليس إزاحة القذافي بالقوة، ولكن من المستحيل تخيّل مستقبل ليبيا والقذافي على رأس السلطة فيها". ولكن ماذا يعني هذا الكلام غير إرادة الشيء وعكسه، فالقذافي لن يرحل وهم لا يريدون إزاحته، فهل المطلوب قتال بين الليبيين حتى الرمق الأخير؟
يكرر الاطلسيون: من الضروري مواصلة الضغط الى أن يرحل القذافي، في وقت ظهرت مواقف مستغربة ومنها انحياز عمرو موسى الى الدعوة المشبوهة، لإجراء تسوية سلمية في ليبيا من دون أن يسأل: تسوية مَن مع مَن، القاتل مع القتيل؟ فماذا يحصل فعلاً؟ قمة الغرابة أن الأميركيين لا يترددون في الرقص على المقابر الليبية، عندما يعلنون إطلاق عملية بحث لإيجاد بلد يستضيف القذافي من غير الاضطرار الى تسليمه الى المحكمة الجنائية الدولية لملاحقته بتهمة ارتكاب جرائم بحق شعبه!
وهذا يدعو الى التساؤل: لماذا لا تستضيف واشنطن الديكتاتور المعتوه الحريصة عليه، وهي التي لم توقع أصلاً على المعاهدة الدولية للمحكمة المذكورة؟... غريب فعلاً!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك