مجدداً الصحف الصفراء والنوايا السوداء وأقلام الرصاص إلى الواجهة، تهاجم بحقد، تتهم بإصرار وتصدر الأحكام المبرمة. نعم، إنها صحفٌ لبنانية الترخيص للأسف، وأيادٍ لبنانية المولد للأسف أيضاً، إنما تنتمي سياسياً إلى خارج الحدود، وتخضع لإرشادٍ إقليمي، ناهيك عن التمويل الفارسي، والهدف واحد هو التصويب على كل من يخالف "التوجّه العام" أو ما بات يُعرف "بالخط الوطني"...
والحال هذه، كيف تتجرأ "القوات اللبنانية" على الانتقال إلى مصاف الأحزاب الديمقراطية الراقية من خلال الإعداد لإقرار النظام العام خلال الشهر الجاري؟ لذا صدرت التعليمات والتوجيهات بوجوب النيل من هذه الخطوة الجبارة وإفراغها من مضمونها، وإجهاض هذا النجاح الذي تحقق بفعل جهودٍ جبارة ومضنية، فتمّ اعتبار "النظام" حياكة حزب مفصلاً على قياس الدكتور سمير جعجع.
هذا التعبير الذي يحنّ إلى زمن الوصاية ومقتبساً عنه، هذا الزمن الذي أطلق مثل هذه النعوت الجوفاء والتوصيفات الفارغة المضمون في حينه، جاء اليوم دور مخلّفات الوصاية لاستحضار هذه التعابير وإسقاطها من جديد ضمن قاموس الحياة السياسية والإعلامية اليومية. وقد فاتهم أن هذا النظام "المرن والذكي" يُضاهي بحداثته ودقته أنظمة الأحزاب الأوروبية الليبرالية وهذا ما يشكّل سابقةً على صعيد المستوى اللبناني، سواءً لناحية انتخاب رئيس الحزب مباشرةً من القاعدة الحزبية، وهذه مفارقة غير متوفرة في معظم أنظمة الأحزاب اللبنانية، أو إلى المزج بين التعيينات والانتخابات التي تطال معظم المراكز الحزبية، فمن جهة تكون القيادة الحزبية ممسكة بزمام الأمور بحيث تمثّل الخط التاريخي للمسيحيين كافةً واللبنانيين عامةً، ومن جهة ثانية تُمنح الحرية للمحازبين بانتخاب رؤساء الأقسام في البلدات، فهذا التوازن الذكي جداً هو نتيجة ممارسة عملية واستخلاص عِبَرْ وجهد متواصل منذ سنوات خلت، وخلاصة عمل حزبي توصّل إليه مشكوراً فريق إعداد هذه المسودّة.
باختصار، إن هذا النظام يدل على رقيّ في الممارسة وعلى أقصى درجات الديمقراطية الحزبية، ويعطي هامشاً كبيراً من حرية التعبير واحتراماً مطلقاً لرأي كافة المحازبين بحيث يشعرون فعلاً أنهم فاعلون ومنتجون، وهم الذين يحددون إسم رئيس القسم ورئيس الحزب وما بينهما بمن فيهم نائب رئيس الحزب وبعض المواقع الحساسة كأعضاء الهيئة التنفيذية الموزعين على المناطق.
نعم، "القوات اللبنانية" هي مؤسسة فاق عمرها الثلاثة عقود من الزمن ولم تشيخ، إنما بقيت في تجدد دائم، فيوم فرض الواقع نفسه على "القوات اللبنانية" وأجبرها أن تكون مؤسسة عسكرية، قبلت المهمة ودافعت عن الأرض والوطن وقدمت الغالي والنفيس على مذبح الحرية ونجحت في الحفاظ على الدولة ومؤسساتها مشروعاً وكياناً.
وحين لاح السلام في الأفق، كانت "القوات اللبنانية" أول من مدّت يدها إليه وتخلّت طوعاً عن دورها العسكري وانخرطت في إعادة بناء الدولة بالرغم من الأثمان التي دُفعت ولا زالت ...
فيوم 29 الجاري يوم إقرار النظام المفترض سيكون يوماً تاريخياً بامتياز وستدخل معه "القوات اللبنانية" نادي الأحزاب العريقة في العالم أجمع، وإلى أيامٍ أخرى باتجاه المستقبل.
لكل هذه الأسباب تُرشق "القوات اللبنانية". نعم، تُرشق لأنها تمرّست وخاضت تجارب كثيرة في زمني الحرب والسلم، من النضال على الجبهات والموت فوق التراب إلى النضال في السجون تحت الأرض والتراب، ومن تجاربها عرفت كيف تندمج مع مجتمعٍ وُلدت منه ووُجدت لأجله، وعرفت كيف تحتضن مشروع دولةٍ وقضية وطن. لذا، لا تعيروا اهتماماً لأقلام الرصاص لأنها تُمحى بممحاة طفلٍ ربما كان يلهو، وربما قصد محوها لأنه أيقن أنها كتاباتٍ لا قيمة لها ولا مضمون.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك