كتب حسين زلغوط في "اللواء":
تأفل هذه السنة على جبل عالٍ من الأزمات السياسية والاقتصادية والمعيشية، وتُقبل سنة جديدة ترث هذه التركة الثقيلة من دون ان يكون هناك اي مؤشر يدل على انها ستكون سنة الحلول لهذه الازمات في ظل عجز واضح وارادة غائبة من قبل اهل القرار لمقاربة الاستحقاقات المطروحة والعمل على انجازها.
فالانتخابات الرئاسية دخلت علم الغيب، والوضعان الاقتصادي والمعيشي وصلا الى الدرك الاسفل من الانهيار، والمواطن اللبناني لم يعد لديه القدرة على الصمود متروكاً لقدره، والدول التي يفترض ان تقف مع لبنان لمساعدته في العبور من هذه الازمة منشغلة بأزمات تعتبرها اولوية ومتقدمة على الوضع اللبناني، وبذلك نكون مقبلين على عام يحمل الازمات منها والتشنجات السياسية ذاتها، ولا وجود لأية مقترحات او خطط تنشلنا مما نحن فيه من ازمات.
يوم واحد يفصلنا عن العام الجديد والازمة السياسية والاقتصادية التي تعصف بلبنان ينتظر ان تتمدد لاسابيع وربما لأشهر مقبلة، من دون ان يستبعد بأن تكون سنة 2023 نسخة طبق الاصل عن السنوات التي سبقتها ربما أسوأ من ذلك بكثير، والايجابية الوحيدة التي سجلت في الربع الاخير من العام الحالي هي الالتفاتة الفرنسية تجاه لبنان والتي ترجمت بإيفاد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وزير الدفاع في بلاده الى لبنان حاملاً رسالة تتضمن دعوة للمسؤولين لاستدراك المخاطر القادمة على لبنان من خلال الاسراع في انتخاب رئيس، وتأليف حكومة جديدة والولوج في انجاز رزمة الاصلاحات التي طلبها المجتمع الدولي من لبنان لمساعدته على تخطيه ازمته.
واذا كان الحراك الفرنسي تجاه لبنان فأل خير بأن هناك من يفكر بعد بلبنان، فإن المعطيات لا توحي بأن زيارة الموفد الفرنسي ستحرز تقدماً في اتجاه حل الازمة الرئاسية، لأن الوزير الفرنسي لا يحمل معه افكاراً ومقترحات، بقدر ما ان جولته على المسؤولين محصورة فقط بالاضاءة على المخاطر التي يمكن ان تصيب لبنان جراء المراوحة المستمرة والتغافل اللبناني عن ادراك هذه المخاطر ما لم يسارعوا الى ترتيب بيتهم الداخلي بالانصراف الى مواجهة الازمة الاقتصادية التي تتجاوز لبنان الى العالم.
وفي هذا السياق اكدت مصادر سياسية ان الوزير الفرنسي سيباستيان لوكورنر الذي سبق ان زار لبنان وهو على دراية بما فيه الكفاية بما هو حاصل على المستوى السياسي اللبناني لن يتجاوز دوره مسألة حث المسؤولين اللبنانيين على ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس ومنع استيطان الفراغ في قصر بعبدا، وكذلك الاسراع في عملية الاصلاحات، مشددة على ان المسؤول الفرنسي لن يُحمّل من قبل قصر الاليزيه اية رغبة فرنسية في عقد مؤتمر خاص بلبنان على غرار المؤتمرات السابقة، كون ان باريس تعي تماما ان الظروف الاقليمية والدولية غير ملائمة لعقد مثل هكذا مؤتمر، لا بل ان فرنسا ترغب في ان يتصرف أهل الحل والربط في لبنان الى معالجة مشاكلهم بأنفسهم وعدم الاتكال على الخارج الذي لا يمكن ان يساعد اللبنانيين ما لم يساعدوا هم انفسهم.
وترى هذه المصادر ان الامن الغذائي دخل مرحلة الخطر، وان استمرار انفلات سعر الدولار من عقاله، بالتوازي مع الانهيار الاقتصادي ربما يؤدي عما قريب الى انفجار اجتماعي قد يؤدي بدوره الى انفلات امني، وقد بدأت ملامح هذا الوضع تتفاقم يومياً من خلال ارتفاع منسوب عمليات السلب، والارتفاع العشوائي في اسعار المواد الغذائية في ظل غياب رقابة الدولة، وهو ما يشجع التجار اكثر فأكثر على المضي في لعبة رفع الاسعار توخياً لتحقيق الارباح.
وفي اعتقاد المصادر ان الانصراف الى معالجة الوضعين النقدي والاجتماعي بات اولى من انتخاب رئيس، كون ان هذا الملف بات يشكل خطراً حقيقياً على الوضع اللبناني، وهذا الامر يجب ان يحصل من خلال اعلان حالة طوارئ اقتصادية والانكباب على وضع خطة مواجهة لتدراك استمرار تفاقم هذه الازمة.
وعليه، فإن المصادر تتوقع ان لا يحمل الربع الاول من العام الجديد اية حلول للازمات الموجودة، لا بل ان الاشتباك السياسي الذي اندلع على اكثر من جبهة في الاسبوع الاخير من هذا العام يشي بأن قابل الايام سيكون محفوفاً بالمخاطر في ظل غياب اي دور لسعاة الخير في تبريد الجبهات السياسية المشتعلة، وان استمرار تمترس كل فريق وراء موقفه سيزيد الطين بلة، ويطلق العنان للمزيد من الانتظار السياسي الذي يقف حائلاً في وجه اي محاولة لحل اي من الازمات المطروحة، لا بل ان ما حصل يؤشر الى ان حالة التخبط السياسي ستتمدد اكثر فأكثر في العام الجديد من دون ان يلوح في الافق اي امل بأن العام المقبل سيكون افضل حالا من العام الذي لم يبقَ من عمره الا ساعات.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك