أطلقت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان "UNFPA" افتراضياً، تقريراً عن "دراسة وتحليل النظام القانوني اللبناني من الناحية الجندري"، خلال لقاء شاركت فيه رئيسة الهيئة كلودين عون ومديرة مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان أسمى قرداحي وأعضاء من الهيئة، في حضور ممثلات وممثلين عن الوزارات والإدارات الرسمية والمؤسسات الأمنية والعسكرية ونقابات وجمعيات واحزاب سياسية ومنظمات غير حكومية ومؤسسات اكاديمية واعلامية ومنظمات دولية.
وألقت عون كلمة، قالت فيها: "عندما نتناول مظاهر التمييز السلبي الذي تعاني منه النساء في لبنان، عادةً ما نعتبر أن السبب الرئيسي في ذلك، يكمن في عادات إجتماعية قديمة موروثة من العصور العابرة. نرى مثلاً أن عادة التزويج المبكر للفتاة ترتبط بالبيئات الريفية، وإن الخشية من التعرض لتحرش جنسي يثني الكثير من النساء عن خوض مجال سوق العمل. نعتبر أن هذه معطيات شبه "قدرية" يصعب تغييرها. مع ذلك، واستناداً إلى التجربة في لبنان كما في العالم، نعلم أيضاً أن الممارسات تتغير مع العصور وأن العامل الأول لتغييرها هو إيجاد تشريعات ذات طابع إصلاحي".
أضافت: "طبعاً تحتاج القوانين كي تكون نافذة إلى أجهزة قضائية وتنفيذية فاعلة وتحتاج كي تكون مطبقة فعلياً، لأن تكون منتشرة لدى العموم، المعرفة بمضمونها وبالأسباب الموجبة لها.
على هذا الصعيد، نشهد اليوم في لبنان مفارقة تتمثل بأن النشاط الملحوظ الذي تقوم به منظمات المجتمع المدني بغية نشر العلم بحقوق النساء وتمكينهن من العيش بكرامة ومن غير خوف، يقابله تقدم بطيء على صعيد اعتراف القانون الوضعي بهذه الحقوق. مع ذلك لا بد من التذكير أن السنوات العشر الأخيرة شهدت تقدماً ملموساً في المجال التشريعي مناهضة لظاهرة العنف ضد المرأة، من إلغاء العذر المخفف بسبب صون "الشرف" في جرائم قتل النساء، إلى إقرار قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري، إلى إلغاء القانون الذي كان يتيح الإفلات من العقاب لمقترف جريمة الاغتصاب في حال تزوج من الضحية، وأخيراً إقرار قانون تجريم التحرش الجنسي".
وتابعت: "عالجت هذه القوانين بذلك، حالات جرمية واضحة وحددت العقوبات على مرتكبيها، لكنها لم تنجح في الحد من انتشار ظاهرة ممارسة العنف ضد النساء. فهذه الظاهرة تستند إلى مجموعة من الممارسات الإجتماعية التي لا تعترف للنساء إلا بمرتبة أدنى من المرتبة التي يشغلها الرجال في المجتمع. وعلى هذه الممارسات الخاطئة التي " تستضعف" النساء، شيدت قبل عقود منظومتنا التشريعية. وعلى الرغم من التطور الذي شهده مجتمعنا، ظلت العديد من قوانيننا متخلفة عن مواكبة الواقع. ظل قانوننا للجنسية لا يعترف بحق الوالدة في نقل جنسيتها إلى أولادها، وظلت قوانين الأحوال الشخصية مجحفة بالحقوق الزوجية والوالدية والإرثية للمرأة. وظل قانون العقوبات يحصر مفهوم الاغتصاب "بغير الزوج". هذه بعض الأمثلة عما أوردته الدراسة القيمة والدقيقة لمواطن التمييز والإجحاف بحقوق النساء التي لا زالت تتضمنها تشريعاتنا، ولتقصير هذه التشريعات في فرض الإصلاحات لتوفير تمييز إيجابي لصالح النساء عندما تتطلب ذلك ضرورات التنمية الإجتماعية. ومن أبرز الأمثلة على هذا التقصير، عزوف مجلس النواب قبيل الإنتخابات النيابية الأخيرة، عن إقرار العمل بكوتا نسائية في قانون الإنتخابات بغية العمل على تحسين تمثيل النساء في البرلمان اللبناني".
وأملت أن "تساعد هذه الدراسة السادة والسيدات النواب، على تبيان الفجوات التي تعتري نظامنا التشريعي لجهة ضمان العدالة في المجتمع. فالمظالم التي تعاني منها النساء في مجتمعنا تنعكس على جميع أفراده، والخطوة الأولى لإزالتها لن تكون إلا بإصلاح القوانين".
وختمت، شاكرة "كل من ساهم في الإعداد لهذه الدراسة القيمة، كما أشكر صندوق الأمم المتحدة للسكان ومديرة مكتبه في لبنان السيدة أسمى قرداحي، لمشاركة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في الإعداد لها".
ثم تحدثت قرداحي، فقالت: "لمن دواعي سروري أن أكون بينكم اليوم ممثلة صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان بمناسبة إطلاق دراسة وتحليل النظام القانوني اللبناني من الناحية الجندرية. على الرغم من الجهود الوطنية والدولية والمبادرات الحكومية الآيلة للحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي وتقليص الفجوات بين المرأة والرجل، من خلال إقرار بعض القوانين المجحفة بحق المرأة وتعديلها، وتوفير سبل الوقاية والاستجابة للعنف ضد االنساء والفتيات ورفع مستوى الوعي، لا تزال المرأة في لبنان بعيدة من بلوغ مرحلة المساواة بينها وبين الرجل، ومردّ ذلك إلى أسباب عدة، أهمها القيم الاجتماعية والدينية والموروثات الثقافية والأعراف والتقاليد التي تحول دون التقدم والتطور في بعض الأحيان وفي بعض المجتمعات، فضلاً عن الثغرات المرتبطة بتطبيق القوانين في ظل المنظمة الذكورية السائدة".
واشارت الى أن "التمييز ضد المرأة يعتبر قضية اجتماعية عميقة الجذور، لها تأثير كبير على قوانين الأحوال الشخصية والجنسية والضمان الاجتماعي والعمل والمحاكم المدنية وقوانين الميراث وغيرها. فما زالت تحمل النصوص القانونية بعض أفكار التمييز الجندري وبعض العبارات تتضمن في صياغتها الثقافات والتقاليد والأعراف الذكورية المتجذرة في المجتمعات".
أضافت: "في عالم يعاني من الأزمات والنزاعات، يجب أن نولي اهتمامًا لدعم الحقوق الأساسية للنساء والفتيات في حالات الطوارىء ويترتّب علينا حماية سلامتهن وكرامتهن وصحتهن، لا سيما أنهن يتعرضن لخطر متزايد من العنف وغير ذلك من انتهاكات حقوق الإنسان. ومن المتعارف عليه أنّ القوانين عامة، من قوانين دولية إلى تشريعات وطنية ومحلية توفّر درعًا ضد الأعراف والممارسات الضارة والتمييز والعنف. ومع ذلك، فإن القوانين لا معنى لها إلا إذا تم تنفيذها بشكل كامل ودون تحيز ومراقبتها من أجل المساءلة".
وتابعت: "تركّز الدراسات مؤخرا على الخطوات الرئيسية الواجب اتخاذها لتفعيل القوانين وتضمن في طليعتها رصد مخصّصات في الموازنة العامة. لقد نجح هذا التقرير الذي يتم اطلاقه اليوم في إجراء مسح شامل للقوانين اللبنانية والمراسيم الحكومية والتشريعات كافة، بهدف كشف جوانب التمييز الجندري على كل الأصعدة، لا سيما الجزائية والمدنية والتجارية والأحوال الشخصية، وبالتالي رفع مستوى الوعي والثقافة لتحقيق المساواة والقضاء على التمييز وتمكين المرأة في المجتمع. بالتالي، أشار التقرير إلى التقدم المحرز مؤخرا والذي تجلّى بإقرار قانون تجريم التحرش الجنسي وتعديل قانون العنف الأسري، كما تضمّن القوانين المجحفة بحق النساء والفتيات".
واردفت: "دعونا نتخيل هناء، فتاة مراهقة أجبرت على ترك المدرسة في سن مبكرة وتزوجت من رجل غير لبناني عندما كان عمرها 14 عاما وتعرضت للضرب من قبل زوجها بشكل منتظم ولم تستطع نقل الجنسية إلى أطفالها وتعرضت للمضايقة والتحرش عندما حصلت على وظيفة. هذه بعض المصاعب التي مرت بها هناء والتي أثرت على صحتها العقلية ورفاهيتها وقدرتها على أن تكون منتجة داخل مجتمعها. قصة هناء هي واحدة من عشرات الآلاف التي تتكرر بسبب نقص أنظمة الحماية".
وشددت على أن "مهمتنا الآن هي العمل معا لتسريع وتيرة التغيير من خلال الدعوة إلى إصلاحات مستمرة وطموحة تطال كل المستويات. اليوم يؤكد صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان من جديد إلتزامه مواصلة دعم أجندة أهداف التنمية المستدامة 2030 الخاصة بعدم إغفال أي أحد والالتزامات الوطنية اللبنانية التي أعقبت قمة نيروبي في عام 2019 والتي تؤكد أهمية دعم وتمكين النساء والفتيات ومحاربة العنف القائم على النوع الاجتماعي".
وأعلنت أنه "بالرغم من كل التحديات التي يواجهها لبنان - كالوباء والتدهور الاقتصادي والاضطرابات السياسية وغيرها - يعتزم صندوق الأمم المتحدة للسكان المضي قدمًا. وسوف نعزّز أدائنا ونوسّع التعاون مع الشركاء، مثل الجهات الحكومية وغير الحكومية والجامعات والمنظمات التي يقودها النساء والشباب والإعلام والجهات المانحة".
وختمت مثمنة على "التعاون مع الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية وتأكيد الشراكة المستمرة من أجل إحقاق ما هو حق للنساء والفتيات".
وخلال اللقاء استعرضت المحامية والدكتورة ريتا عيد "دراسة وتحليل النظام القانوني اللبناني من الناحية الجندري" في القوانين الجزائية والأحوال الشخصية والقانون المدني والتجاري والضريبي والجنسي.
واختتم اللقاء بنقاش بين المشاركين والمشاركات.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك