بدعوة من "منتدى التنمية والثقافة والحوار"، وبدعم من مؤسسة "دان ميشن" الدنماركية، عقد لقاء حول "التماسك المجتمعي في لبنان" تحت عنوان "المواطنة وتجاوز الطائفية، ولاهوت الشأن العام"، بمشاركة عدد من الشخصيات السياسية والاكاديمية والروحية ومجموعة من الشابات والشباب.
بدأ النشاط في يومه الاول بلقاء شبابي عام لوضع استراتيجية عملانية للقاء. ليفتتح اليوم الثاني رئيس المنتدى القس رياض جرجور، مشيرا الى "اهمية النشاط الذي سيناقش مع 24 شابا وشابة العقيدة الايمانية المسيحية والاسلامية وكيفية تطبيقها وممارستها في حياة الناس وعلاقتهم ببعضهم البعض. الى جانب دور الشباب في العمل للخروج من الازمات التي يمر بها لبنان، وخلق مجتمع واع وآمن ومتماسك".
ثم تحدث د. وائل نجم عن لاهوت الشأن العام، متوّجها الى الشبيبة حول رسالة الاسلام في القرآن الكريم ومعرفة المقاصد الاساسية لوجود الخالق"، معتبرا ان "العالم يعيش اليوم تحديات بينها اسقاط منظومات القيم واطلاق الانانية من اجل الاستحواذ والطمع والاحتكار والتحكم وهو ما يعني انتشار ثقافة الشر والمنظومات المتوحشة. اما البديل فسيكون اصلاح نظام القيم والاخلاق والضمير لارساء نوعا من الاستقرار والامن في المجتمع". مشددا على ان "الانسان محور الاهتمام والتكريم واطلاق مفهوم الحرية للانسان واعمار الارض بما هو صالح واقامة العدالة لضمان الحقوق".
بعد ذلك كانت محاضرة تحت عنوان "المواطنة وتجاوز الطائفية" قدمتها ميراي حاموش وتحدث فيها الوزير السابق الدكتور طارق متري، الذي رأى ان "الطائفية فساد البشر ومشكلة اخلاقية، وقلّما نرى جهة سياسية تخاصم اخرى بسبب الفساد. فصرخة "كلن يعني كلن" صادقة لانهاء حكم الحكّام وتكوين بدائل، لكنها في الوقت نفسه لا تخلو من الالتباس لجهة عدم كشف الفاسدين". ملاحظا "زيادة في الانانية وطغيانا لسياسات طائفية تتصارع على الدولة، وتراجعا للمواطنة والقيم المشتركة بما ينذر بالعنف ولا يسمح بمعايير تلاقي المواطنة في مواجهة العصبيات. فالعيش المشترك وشراكة القيم يفترضان تفاعلا في الاقتصاد والاجتماع تعززها الممارسة الديموقراطية. بيد ان المواطنة لا تقوم الا على وعي الناس واستقلال الدولة عن السلطة".
وتساءل متري، "لطالما تعامل اتفاق الطائف مع الطائفية واقعيا، لماذا لم ُيقر مجلسين نيابي غير طائفي وشيوخ لطمأنة الطوائف؟. مستشهدا "بدعوة الامام الراحل محمد مهدي شمس الدين الى مراجعة جذرية كي لا تكون ثمة غلبة طائفية على اخرى. اما العجب لمن لا يجد من الشباب قوت يومه ولم يخرج بعد نحو التغيير الذي يتجاوز الطائفية الى تغيير داخل الطوائف ايضا".
وبعد استراحة تحدث الدكتور عيسى دياب عن "لاهوت الشأن العام" من منظار تاريخي، فرأى ان "الدين لاستجلاب السعادة وحل لغز الوجود والبحث عن الخلود وتحديد القيم الاخلاقية وتنظيم الحياة الاجتماعية ومصدره الله وهو علاقة مع الدولة. فمن الصعب محوه من الحياة وتجارب ماركس والسوفياتية شاهدة كيف هرعت الناس الى دور العبادة بعدئذ. فالافضل ترشيد الدين لجعله يخدم المجتمع والدولة، وابلغ الصلاة ليس برفع الصوت وانما بالوقوف الى جانب فقراء الناس، وتنمية روح المواطنة على اسس ايمانية في ظل واقع الانتماء الى الطائفة والمذهب واخيرا الوطن. لنكن امناء على العقد الاجتماعي وخلق مجتمع الكرامة ونبذ التمييز العنصري، فأهمية اللاهوت لتنظيم صورة الدين وتحقيق اهدافه".
ثم بدأت حلقات نقاش بين الشابات والشباب المشاركين لتصحيح المفاهيم الدينية وتطويرها بما يواكب العصر، وتقديم مشاريع على اساس اهداف يتم العمل عليها لتعزيز الايمان الروحي والمجتمعي، للحفاظ على اسس الدين والمواطنة والعيش المشترك، بعيدا من النزاعات الطائفية والمذهبية التي تطل برأسها بين الحين والاخر.
وشهد اليوم الثالث ورشة عمل شبابية وتدريبية قادها فهمي كرامة وتمحورت حول حل النزاعات، والتواصل الحضاري لبناء مجتمعات سليمة، وتقديم الافكار المطلوبة في اطار دمج القيم الدينية والاجتماعية.
وخلصت مجموعة شباب الـ 24 الى توصيات: دعت الى "تلاقي لاهوت الشأن العام مع مقاصد الشريعة من وجهتيه الدينية - الفكرية والشأن العام، من خلال رؤية موّحدة بين الدين والدولة، وجعل الايمان ينتقل من الاطار النظري الى العملي، بما يشكل فرصة لمشاركة جميع فئات المجتمع في البحث الرصين بأمور تتعلق بالانسان والتعاون لخدمته، مما يخلق روحا من الالفة والمحبة".
وركز الشباب على "اهمية مشاركة رجال الدين في الحراك من اجل الاصلاح"، ودعوة "القادة الروحيين للمساهمة في تبديد الهواجس المتأتية من جرّاء التعصب الديني، ليكونوا بحق عنوانا للانفتاح والتطور وصنّاع سلام حقيقيين. الى جانب رفع المستوى التعليمي والثقافي للمتدينين وبث روح المسامحة والغفران انطلاقا من قيم وفضائل الرسل السماوية، لخلق مساحات تلاقٍ تعكس اعتدالا في المواقف واستقلالا عن الطبقات والمنظومات السياسية الفاسدة".
كذلك ركزت التوصيات على "الصعوبات التي تواجه المحيط بسبب الجهل والخلافات العنصرية والخوف من الآخر، نتيجة العصبية الطائفية والمذهبية المتغلغلة بالنفوس والعقول، وخلطها بالخطابات والتوترات السياسية، والحاجة الى مساحات مشتركة لمواجهة التحديات المختلفة التي يواجهها الإنسان المعاصر، بعيدا من المواقف المسبقة واحكامها على الآخرين".
وأوصى الشباب بـ"تصويب النهج الاعلامي المتبع كي يساهم في تعزيز ثقافة الحوار، وحماية القضاء والمؤسسات الرسمية من السيطرة عليها، وجعل حقوق الانسان غاية مطلقة، من خلال اعادة الروح الى الكرامة البشرية ودعم توجهات الشباب لوقف نزيف هجرتهم ودعم صمودهم".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك