كتبت فاطمة سكرية:
حزين عيدك ومؤلم وجعك ومشوّه استقلالك يا وطني.. لبنان يا وجعي، يا أغنية تبكي كمدًا بقلب الشاكي كلّما صدحت فيروز "سألوني شو صاير ببلد العيد". أردّد وأكمل في حلم متناهٍ "عم يخلق من جديد لبنان الكرامة والشعب العنيد".
وبالرغم من كلّ القهر.. سأبقى أحبّك.
والفرق كبير... بين لبنان الوطن، لبنان الشجر، لبنان الحجر، لبنان الهُوية والانتماء.. لبنان العمالقة من فيروز عندما تلفّ وتعصف بنا في الهضبان والأوردة والوديان بصوتها "بحبّك يا لبنان"، اسمعها وفي كلّ مرّة أتأمّل لبناني وأغرق فيه لأعود وأحبّه أكثر.. لبنان وديع الصافي عندما ينده ويصدع بصوته "لبنان يا قطعة سما تاني ما الها"، هنا يكتمل مشهد الحبّ وينسكب حنينًا للبنان الّذي حباه اللّه كلّ معايير الجمال والأنس. لبنان جبران.. لبنان بيروت أمّ الشرائع وست الدنيا، بيروت "أمّي بالتبنّي" كما اسمتها أحلام مستغانمي.
وبين لبنان دولة القهر والعهر.. لبنان دولة منظومة الأزمات والمحاصصات... دولة الطائفية التي سرقت ودمّرت وحرقت وهجّرت... دولة الاصطفافات وراء خنادق المحاور الإقليمية.
مدهشٌ بعد هذا كلّه ما يمكن أن يخلّفه وطنٌ بحجم الفرح والمعاناة سويًا في داخل ايّ كان منا.
ثمانية وسبعون عامًا من الاستقلال يا وطني.. أقاموا لك اليوم العروض احتفالا بالاستقلال.. أي استقلال هذا..على من تضحكون؟! وعلى أي استغلال واستقلال ترسمون، وأيّ وطن تنادون؟!
منذ ثمانية وسبعين عامًا ونحن نرزح تحت سُلطتكم وفسادكم وجبروتكم حتى جعلتمونا "سَلطة" ُتقدّم على موائد اصطفافاتكم الطائفية والاقليمية والسياسية النتنة كلقمة سائغة ووقود جاهزة. سُلطة منظومات طائفية قسّمت البلاد والعباد، سُلطة عابرة لحدود الوطن والانتماء، هذا الوطن الذي تنهشه الصراعات الإقليمية بسببكم أنتم فقط.. بسبب منظومتكم التي توارثث البشر والحجر والمناطق، وفرّخت وانتجت بالتوريث السياسي عبر أبنائها وأحفادها ومن لف لفيفهم سلطةً أكثر فسادًا تتحكّم برقاب العباد حيث أوهم كلّ منهم جماعته بأنّه ضمانة وجودهم، وهو بالفعل كان هلاكهم وأوصلهم إلى مهالك التهلكة في مصافي الأمم والشعوب.. حكّام حواة وليس هواة وإن كانوا هواة فهم هواة للنهب فقط، عراة من الرحمة، سلطة تطاحن على المناصب والمكاسب ومؤسسات تنهار واقتصاد يهتزّ وعملة في الحضيض وأطفال تجوع وكهول مرضى حيث أصبح شراء علبة دواء الضغط من الأمنيات عندهم ، وشبان هجّوا وأصبح كفاف العيش عندهم معركة حياة أو موت.. وبعد كلّ هذا الدمار والوجع المضني يطلّون اليوم علينا بخطاباتهم مع كامل الاناقة واللياقة والشياكة أمام شعب يجوع ويُعرّى ليتشدقوا بكلمات زفرات في كيفية حماية الأوطان... الله وأكبر عليكم!
ارحلوا... واعتقوا هذا البلد الجميل من شرذماتكم وفسادكم وطائفيتكم رحمة بجراحه واطلقوه في ولادة جديدة وتاريخ استقلال فعليّ لا شكليّ يليق بأبنائه الأحرار وبوجهه الحضاريّ الجبّار..
وبالرغم من كلّ القهر.. يبقى هناك شي مزروع بين الضلوع..
أسموه لبنان
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك