أحيت "الكتلة الشعبية" الذكرى الثامنة لرحيل النائب والوزير السابق الياس سكاف، بقداس ترأسه راعي أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم، في كاتدرائية سيدة النجاة في زحلة، عاونه فيه لفيف من الكهنة وحضره نواب من زحلة وممثلو أحزاب وتيارات سياسية وشخصيات وفاعليات.
وألقت رئيسة "الكتلة الشعبية" ميريام سكاف كلمة بالمناسبة قالت فيها: "وكأننا اليوم نفقدك، وبعد غياب 8 سنوات نشعر أنك تحرسنا من السماء وعينك علينا وعلى بيتنا وزحلة ومنها على كل الوطن، فأنت على صورة لبنان: اذا نحنا تفرقنا بيجمعنا حبك".
وأضافت: "في غيابك كثر المحبون ومن يدعون المحبة ايضا لكن في كل خطوة كنت معنا وسرنا على وصيتك ورغبتك فقد علمتنا دروب المحبة، وغرست فينا روح العنفوان ورفض الظلم والتمسك بحرية القرار، والتصرف بحكمة، وانا من هذا المكان المقدس أكرر تعاليمك المستمدة من تعاليم الرب يسوع: يا ٱبني، إن كان قلبك حكيما يفرح قلبي أنا أيضا".
وانتقدت سكاف "كل من يستند الى سلطة القهر للاستقواء ومن يصبح ازلام سلطة". وقالت: "إنني أتحدث من قلب هذه الكنيسة المباركة لأقول ان الله شاهد علينا وبعدالته لن يبارك أية مشاريع ملعونة وتفرق وتقسم وتزرع الأحقاد, ويسوع علمنا الخير وليس على طريقة "فاعل الخير" ذي الافعال السيئة، وكثر هم من يتبرعون بهذه المهمة المشبوهة ويفرغون احقادهم في البلد والعائلات والمجتمع، أما على المستوى السياسي فمثل هؤلاء يستغلون الظرف لاسيما أننا في دولة بلا رأس يتخذ القرار".
وتابعت: "هنا تتفلت السيادة وترخص ونتحول الى دولة ما عندها كبير، والكل يمون لأن يأخذ القرار عنها، فلنوجه اللوم الى أنفسنا أولا وماذا فعلنا ببلدنا وأولاد بلدنا, لماذا لم نتمكن منذ سنة الى اليوم من انتخاب رئيس للجمهورية وتركنا الفراغ ينهب المؤسسات ورفضنا إجراء الاصلاحات وتوسّلنا الخارج للتدخل كي ينوب عنا في الرئاسة وأزمة النازحين السوريين ثم جلسنا نندب السيادة، وكل يوم يمر يكلفنا الكثير لكن من يدفع الثمن هو الشعب. وفي ذكرى ايلي سكاف كم يستلزم منا الامر لصنع سياسيات تشبه هذه الرجال من طينة الأوادم إناثا وذكورا".
وأكدت أن "لدى هذا البلد مقدرات وخيراث كثيرة، فلبنان بلد غني، بدوره على المتوسط، بذكاء شعبه الطبيعي غير الصناعي، بمواردنا اذا عرفنا ضبطها على المعابر والحدود والجمارك والمرافئ والمؤسسات المنتجة. ما ينقصنا هو النيات الصافية والصادقة وان نتمتع بالارادة لنستعيد دورنا كبلد "بيدين ما بيتدين". ومن عاصر عصر الازدهار يخبرنا كيف دين لبنان الهند وكندا وحتى البنك الدولي، وبالليرة اللبنانية. وهذا الزمن يمكن له ان يعود اذا تحالفنا لوقف الفساد وتضامنا لمنع وصول الفاسدين مرة جديدة الى السلطة وتقاطعنا على هدف واحد هو الاستثمار بمواردنا من المرافئ الى المطارات بعد إعادة تشغليها للسياحة بكل الفصول. فلماذا نستغل فصل الصيف فقط للنهوض ببلادنا، فهذا الوطن لا يحتاج الا الى التعاون والترفع عن الانانيات والمكاسب والتناحر".
وختمت سكاف موجّهة الشكر للحضور و"لكل من يريد لهذا البيت أن يظل عامرا بالالفة والترابط ومفتوحا لجميع المحبين".
وألقى المطران ابراهيم كلمة قال فيها: "يحدثنا الإنجيل اليوم عن أعجوبة من الرب يسوع في مدينة اسمها نائين: أم أرملة تسير خلف جثمان وحيدها وهي غارقة في بحر من دموع الحزن والألم واليأس. ولما رآها يسوع تحنن عليها. هنا نرى صورة القائد الذي يعرف أن يتحنن، فيبادر إلى خلق الحلول: "أيها الشاب لك أقول قم". فعلى مثال هذا القائد الإلهي نستذكر اليوم بالصلاة إيلي جوزيف سكاف؛ قائدا عاش بيننا وتحنن علينا ومسح دموعا من مآق كثيرة. في صفحات التاريخ الزحلي واللبناني، تبرز أسر وعائلات لها بصماتها في مسيرة الوطن وتطوره. عائلة (سكاف) واحدة من أبرز هذه العائلات التي ساهمت في تشكيل ملامح الحياة السياسية والاجتماعية في المنطقة. فالحديث عن زحلة والبقاع ولبنان لا يكتمل إلا بذكر آل سكاف الذين كانوا - وما يزالون - يشكلون جزءا حيويا من نسيج هذا الوطن. توارثت العائلة العمل السياسي والخيري والاجتماعي، والمشاركة الفعالة في الحياة العامة، مظهرة تقديرا عميقا لأرض زحلة ولأهل البقاع. لا جرم أن عائلة سكاف أمثولة في الالتزام والوفاء للوطن. وجوزيف إلياس طعمة سكاف هو من أبرز سياسيي لبنان وزحلة، وشغل مناصب وزارية عدة في عهود خمس رؤساء جمهورية. وكونه أحد أبرز أعضاء هذه العائلة، ما يزال فقيدنا جوزيف بك سكاف يذكر رمزا للخدمة والتضحية في السياسة اللبنانية. ويعد إرثه مصدر إلهام للجيل الحالي وما يليه في العمل في الشأن العام لمصلحة لبنان. على خطاه سار ابنه الياس بك سكاف الذي حاز لمواقفه الوطنية والإنسانية احترام الناس وتقديرهم. فألهمتني إضفاء لقب (قديس السياسة اللبنانية) عليه لتواضعه وتهذيب فائق ولباقة وروح وخدمة متفانية. فقد سعى جاهدا لاحترام كرامة الناس والدفاع عنهم. وأحس جراحهم ومعاناتهم حتى لكأنها جراحه ومعاناته الشخصية. ما تردد يوما في الوقوف إلى جانب من قست عليهم شؤون الحياة وشجونها. ففي شرايينه سرى حنان القائد صاحب اليد الممتدة للعون والمؤازرة والعطاء. التحنن ومحبة الناس وحمل همومهم لم تكن له مجرد رغبة، وفقد تحولت أعمالا. وحتى الأعمال ما كانت أبدا حملات دعاية انتخابية وسياسية، لقد تدفقت من قلب تعمد بالطهارة وتتوج بالمحبة. إنه بناء جسور لطالما عبر عليها إلى أحزان الناس وأفراحهم، فغدا لهم الأخ والصديق والسند. كان رائدا في تعزيز الحوار وتصويب العيش الواحد بين مختلف الطوائف والمذاهب. كان السياسي النقي الخير الصافي فسكن قلوب الناس. هو صاحب المسيرة المضاءة بنور قلبه المشع وفكره المشرق. إنه (بصمة لا تمحي، وبدر لا يمحق، ومحال عن الفكر يغيب. لقد جسد قيم العطاء والتضحية والخدمة التي يجب أن تعتمد مرجعية ومثالا لمن يسعى مخلصا لخدمة وطنه وشعبه. نعم، إيلي بك سكاف هو منهج دراسي يجب أن يحتذى من أجل خلق مسيرة النهوض وتوجيه الأجيال الشابة نحو الابتكار والتفوق وتقويض كل جدار يفصل بين اللبنانيين. لغز إيلي بك هو أنه يحيى التكامل بين السياسة والحنان. صفة تفرد بها بين سياسيي لبنان لأنه ما عبء بدور القيادة من أجل السلطة، بل للتواصل والخدمة والتفاعل المباشر بقناعة ثابتة، وبأن الثراء الحقيقي ينبع من الداخل، من النفس المترفعة والعقل النير النزيه. كانت توجهاته تعكس دائما تطلعات الشعب، مما جعلته يحظى بثقة كبيرة ممن لم يروا عنده يوما بابا مغلقا أو قلبا موصدا. فصيته الحسن وذكراه الحية أبقياه صورة بهية لقائد محوري مؤثر شفاف. نفتقده اليوم في زمن البؤس والفراغ والخواء والشغور المفتعل والطبقية البغيضة في التعامل بين الناس والاستعمار المالي والأممي للبنان. لم يشبه إيلي سكاف سياسيينا بشيء. كان شعبيا دون تجييش رخيص أو شعبوية نفعية. كان رصينا في بسمته دون تكلف أو تصنع، وحكيما حصيفا في كبر البساطة والبراءة. إيلي بك سكاف، نشكرك لحلولك بيننا أنموذجا للقيادة الحكيمة المسؤولة التي وضعت مصلحة المواطن والوطن أولا وفوق كل شيء. ومع مرور الوقت تظل مسيرتك وإرثك ومثالك مصدر إلهام لعائلتك الحبيبة وللأجيال القادمة في زحلة والبقاع ولبنان كله. أيها الراحل الحاضر، لا تنس لبنان، عل صلاتك أخلص في مسامع الخالق فيرحمنا بها، ويخلصنا من طغمة حكام عبدة أوثان لا خلاص منهم إلا بالصوم والصلاة. المسيح قام! حقا قام!".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك