كتبت عزّة الحاج حسن في "المدن":
في سابقة تاريخية، رفضت لجنة المال والموازنة مناقشة مشروع موازنة 2023 المُرسل من الحكومة لمناقشته وإقراره. الأسباب التي أوجبت رد مشروع موازنة 2023 عديدة، تدور في مجملها حول انعدام جدوى مناقشة وإقرار موازنة مر عليها الزمن. بمعنى آخر، لم تقل لجنة المال والموازنة بالحرف ان موازنة 2023 باتت لزوم ما لا يلزم. لكنها عنت ذلك بتبريرها رد المشروع.
وحسب الأسباب الموجبة لرد مشروع موازنة 2023، هناك ما يتقاطع مع مشروع موازنة 2024. صحيح أن الأخيرة لم تتجاوز مهلها الدستورية، لكنها من دون شك لم تلحظ أي رؤية إصلاحية أو إنقاذية. كما أنها لم تُرفق بقطع حساب. ما يجعل من قرار رد موازنة 2023 كمن يُزايد على شركائه في إحداث الفوضى المالية الواقعة منذ سنوات وحتى اليوم.
موجبات رد موازنة 2023
بعد رد لجنة المال والموازنة مشروع موازنة 2023 رفع رئيس اللجنة النائب ابراهيم كنعان إلى رئاسة مجلس النواب تقريراً أورد فيه الأسباب الموجبة للرد. وهي:
1- ورود مشروع موازنة 2023 بتأخير 9 أشهر عن الموعد الدستوري، أي في نهاية السنة المالية، ما يفقد الموازنة أي معنى أو فائدة بحسب المادة الخامسة من قانون المحاسبة العمومية، التي تحدد الموازنة كإجازة للحكومة للجباية والإنفاق. فما الفائدة منها إذاً، عندما تكون الحكومة قد أنفقت وجبت وأتت إلى المجلس النيابي بموازنة، لتشرّيع ما قامت به ومن دون أية حسابات مالية؟
2- ورود مشروع الموازنة من دون أي رؤية إصلاحية أو إنقاذية. لا بل على العكس، فقد جاء المشروع، كسابقاته قبل الانهيار وبعده، مرتكزاً على المنطق المحاسبي والأرقام الوهمية التي تستند إلى زيادات في الإيرادات غير مثبتة أو ممكنة في الواقع المالي والاقتصادي الحالي، وذلك من خلال زيادات لبعض الضرائب والرسوم.
3- إعلان الحكومة انتهائها من درس وإقرار مشروع موازنة 2024. فما الداعي إذاً لإغراق المجلس النيابي بدراسة موازنتين، واحدة منها انتهت صلاحيتها وأصبحت تشرع أقله لأمر واقع غير مدقق؟
4- ضرورة إحالة مشروع موازنة 2024 في الموعد الدستوري وفق المعايير الدستورية والميثاقية. كما إحالة قطع الحساب المدقق للسنة التي سبقت بحسب المادة 87 من الدستور.
لا خلاف على انتهاء صلاحية مشروع موازنة 2023، فالغالبية (أقله في لجنة المال) متفقون مع كنعان على رد مشروع الموازنة، كما تتفق معه الخبيرة القانونية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة juriscale سابين الكيك، التي رأت أنه في ظل حال الخراب الواقع على مستوى الإنفاق المالي والعشوائية الدستورية والمالية لم يعد من ضرر جراء رد موازنة 2023. فهي باتت لزوم ما لا يلزم.
وقالت في حديثها إلى "المدن" إنه في ظل حال التسيّب الكبير، لا نفع ولا ضرر فيه لقرار الرد، إنما قد يشكل ضغطاً على السلطة لإقرار موازنة 2024. وهنا السؤال هل موازنة 2024 مختلفة عن سابقتها موازنة 2023؟
موازنات لا تشبه الموازنات
الموازنة العامة هي رؤية مستقبلية لآلية وحجم الصرف في العام المقبل. كما أن قطع الحساب يثبت أرقام الموازنة ويؤكد حجم وصحة ما تم صرفه فعلياً. لكن في الحالة اللبنانية لا قطع حساب، في وقت تأتي فيه الموازنات بأرقام تم صرفها وأرقام غير دقيقة.
وحسب الكيك، فإن انتظام العمل المالي هو التزام بالمهل والتزام بالأصول الإجرائية والتزام بقواعد الدستور وبقطع الحسابات، التي تغيب منذ سنوات عن الموازنات العامة، بينما الانتظام المالي الصوري أو الوهمي كما تفعل الحكومة حالياً، وفعلت سابقاتها في السنوات الماضية، وكما حصل في موازنة 2022 التي أقرت بداية السنة المالية للعام 2023، فذلك ما يُعد فوضى مالية دستورية.
والثابت الوحيد حالياً هو إشكالية قطع الحساب، التي وصفتها الكيك بالإشكالية العميقة والمعقدة لغيابها سنوات طويلة "لكن لا بد من الإنطلاق من مكان ما للبناء للمستقبل، ريثما يتم حل أزمة قطع الحسابات للسنوات الماضية".
في موازنة 2023 التي تصر وزارة المال على مناقشتها وإقرارها، والتي ترى لجنة المال النيابية أن لا لزوم لها، تم الصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية، وانتهت سنتها المالية تقريباً. كما أنه لا قطع حساب لها. من هنا ترى الكيك أن الموازنات تُبنى في لبنان سواء 2023 أو 2024 أو سابقاتها "من خلال تجميع الأرقام فقط. في حين في الدول المتطورة توضع رؤية اقتصادية لكل قطاع ويتم جمعها بخطة لدى وزارة المال، تترجم في الموازنة العامة وليس العكس".
كثيرة هي الشواب التي تجعل من مسألة إعداد الموازنات ورد ما هو مخالف منها والمزايدات التي تحصل بين الأطراف السياسيين، مجرّد استعراضات تضمر إخفاء تجاوزات السلطة المالية وفسادها في موازنات شكلية وسجالات لا طائل منها.
ورب سؤال عن جدوى حشر الأزمة المصرفية في صلب الموازنة العامة للدولة، وبناء الموازنة وسعر الصرف على أساسها.
تصف الكيك واقع الموازنات العامة وكيفية التعامل معها بـ"العبثي"، في حين أن المطلوب اليوم الانتظام المالي، بدءاً من القواعد الشكلية والالتزام بالمهل والأصول وقطع الحساب وبذلك نكون قد وضعنا الإطار السليم، في حال تواجدت النوايا الحقيقية لتقديم مقاربة مختلفة. وعلى هذا الأساس يتم بناء خطة اقتصادية، وفق أرقام الواردات الحقيقية، على أن يؤخذ بالحسبان التنسيق مع مصرف لبنان، لاسيما أن الأخير يصر حتى اللحظة على رفض طبع الليرات.
إذاً، كيف سيتم بناء موازنة؟ هل هناك تنسيق بين وزارة المال مصرف لبنان اليوم؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك