كتب زياد شبيب في "النهار":
بصرف النظر عن مآل دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري التي أطلقها في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، وما إذا كان سيستمر فيها في ظل عدم الإجماع في الاستجابة لها، وبصرف النظر عن الدافع الفعلي إليها وعن المواقف المختلفة منها، لا بد من تسجيل مدى التقدّم الذي انطوت عليه في اتجاه الاستجابة لمقتضى النص الدستوري الناظم لعملية انتخاب الرئيس. فقد قامت هذه المبادرة على دعوة مزدوجة إلى حوار محدّد من حيث المدة الزمنية وغير مشروط النتائج يليه مباشرة دعوة إلى جلسة انتخابية مفتوحة.
تتضمن هذه الدعوة للمرة الأولى الحديث عن جلسة مفتوحة. وقد جاء التوضيح الذي نقله نائب عكار سجيع عطيّة عن رئيس المجلس بأن المقصود بالمبادرة الدعوة إلى جلسة واحدة تتضمن دورات اقتراع متتالية لا يتم اختتامها إلّا بانتخاب الرئيس، ليوضح الالتباس الذي أحاط بالتعابير التي جاءت في خطاب الذكرى والتي استخدم فيها الرئيس بري كلمة "جلسات" متتالية بدلًا من "دورات". وأهمية التوضيح المذكور تكمن في أن الابتعاد عن مقتضى النص الدستوري في المرات السابقة قد نتج عن اعتماد الجلسات المتعددة بدل الجلسة الواحدة المتضمنة دورات اقتراع متعددة، وكان من نتيجة ذلك أنه في كل مرة تُختتم "جلسة" الانتخاب من دون نتيجة يكون المجلس النيابي بحاجة إلى دعوة جديدة للانعقاد وبالتالي إلى نصاب مكتمل وإلى غالبية الثلثين في دورة الاقتراع التي تحصل من منطلق اعتبار هذه الدورة دورةً أولى في حين أنها كانت دورة ثانية أو ثالثة... ولم تكن تحتاج إلا إلى الأغلبية العادية للفوز.
لقد صيغت هذه المبادرة على ما يبدو بذهنية توفيقية للمواقف المتباعدة، وهذه الذهنية تعمل على الجمع بين المتمسّكين بمطلب عقد دورات اقتراع متتالية وبين الداعين إلى حوار مسبق. وما قام به رئيس المجلس من عملية ربط بين الأمرين ينطوي على توفيق بينهما كما ينطوي على إمكانية كبيرة لتطبيق النص الدستوري وفق مضمونه ومعناه الحقيقي للمرة الأولى. ذلك أنه في حال استمر رئيس المجلس على مبادرته فإن الفريق الأول وإن لم يحضر إلى الحوار المسبق لن يتمكن من عدم الحضور إلى جلسة الانتخاب المفتوحة لأنها تستجيب لمطلبه، كما أن الفريق الثاني لن يتمكن من حضور الجلسة لأن دعوته إلى الحوار تكون قد استجيبت وإن بصورة جزئية. والأهم أن حصول جلسة الانتخاب ليس مربوطًا بنتائج ذلك الحوار، لأن الحوار الحقيقي المنتج هو ذلك الذي حصل ويحصل توازيًا بين المعنيّين في الداخل والخارج أو على إيقاع الخارج.
صحيح أن الفراغ المتكرر والمتمادي في رئاسة الجمهورية دليل على تراجع دور الرئيس في النظام اللبناني وهذا قد حصل بنتيجة عوامل عديدة منها ارتفاع منسوب الاستقطاب الطائفي في الحرب وما بعدها وصولًا إلى تحوّل المناصب الدستورية ومنها الرئاسة إلى مواقع للطوائف التي ينتمي إليها من يشغل تلك المناصب، واستمرار منطق تفوّق مجموعة "الزعماء" على الدولة ومؤسساتها بصرف النظر عن تفاوت أحجامهم وغيرها من العوامل، لكن فترة الفراغ أثبتت أيضًا بأن الرئيس وعلى رغم التراجع المذكور في الدور يبقى الحجر الأساس في بناء الدولة الذي لا يمكن إعادة البناء أو ترميم المؤسسات إلّا بالاستناد إليه.
لا شك أن الجميع يدرك هذه الحقيقة ولعلّ هذا هو سبب المواقف المتصلبة عند كثيرين، ولكن الأولوية في الاختيار لا بد أن تكون من منطلق ما آلت إليه أوضاع مؤسسات الدولة من انهيار غير مسبوق، ويجب أن يمثّل شخص الرئيس رمزًا لإعادة بنائها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك