كتب كبريال مراد في موقع mtv:
كانت الأجواء السياسية متشنّجة في لبنان في العام 2005. لم يكن قد مرّ على اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه إلا أشهرٍ، عندما جمعت طاولة مستديرة وضعت في أحد طوابق مبنى مجلس النواب الأقطاب السياسيين للتحاور على اشكاليات المرحلة، وكيفية تفكيك الألغام السياسية التي يمكن، إذا استمرت، أن تطيّر الدولة وكلّ ما بقي فيها.
ولأن المخاطر الأمنية كانت حاضرة، والعبوات الناسفة تستهدف نواباً ووزراء وقياديين، لم يكن نزول الأقطاب السياسيين الى البرلمان سهلاً، لا بل كان يتطلّب اجراءات مشددة ومناورات ومواكب وهمية.
وفي صبيحة إحدى الجولات الحوارية، خرقت "رينو 12" الطوق الأمني لساحة النجمة. تفاجأ بحضورها في هذا الوقت الصحافيون المتجمّعون في محيط البرلمان. لتزداد مفاجأتهم عند اقترابها أكثر، ليتبيّن أنّ من يقودها ليس سوى النائب وليد جنبلاط. كانت وسيلته الآمنة للانتقال من كليمنصو الى وسط بيروت، في عبور لا يقتصر على بضعة كيلومترات، بل على تجاوز ألغام سياسية وأمنية عدة.
في هذا الوقت، كان سمير جعجع الخارج قبل أشهر من معتقل السنوات الـ 11، العامل على إعادة لملمة الحضور السياسي للقوات اللبنانية وتفعيله، يقطع المسافة الفاصلة بين معراب ومجلس النواب. والجميع يترقّب كيفية وصوله. فجأة، دخلت سيارة من نوع مرسيديس عليها لوحة عمومية، ليتبيّن أنّ من في داخلها ليس سوى سمير جعجع.
العودة الى تلك اللحظات، ليست من باب رواية التاريخ فقط، لاسيما أن التاريخ في لبنان يعيد نفسه، مرة، لا بل مرات. لكنها تؤشّر الى أن ما نعيشه اليوم ليس "أول مرة"، وأن توافر النيات والظروف، كفيل بإعادة جلوس الجميع على طاولة واحدة، للاجابة على سؤال "الى أين؟"، في ضوء ما نعانيه من أزمة اقتصادية مالية اجتماعية وسياسية.
بالأمس، طرح رئيس مجلس النواب حوار السبعة أيام، بموازاة حضور الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الى بيروت، حاملاً ورقته الحوارية، في مسعى لابقاء المبادرة الفرنسية حيّة، ومحاولة انهاء، لا الشغور الرئاسي فقط، بل تأمين ظروف نجاح العهد المقبل.
حتى اللحظة، لا يبدو أن أحداً في وارد التنازل قبل أوانه. بعدما تبيّن أنّ مسألة "الحوار غير المشروط" لا تمتّ للواقع بصلة. فشروط انجاح الحوار مرتبطة ببرنامج عمله، والغاية منه، والقدرة على تحقيق هذه الأهداف.
فالوقائع تؤكد أن المسألة ليست مسألة أشخاص، بقدر ما هي قضية مشروع وخطة عمل تسمح بالخروج من حفرة الانهيار، وبدء الصعود، خطوة وراء خطوة، الى مرحلة التعافي.
قد يخرج من يقول إن التجارب الحوارية في السنوات الأخيرة غير مشجعة. من حوار المجلس النيابي قبل حرب تموز، وتشاور ما بعدها، وصولاً الى الدوحة وما بعدها. كلّها محطات تؤكد أن نجاح أي حوار مرتبط بجدول أعماله بالطبع، لكنه مرتبط أكثر بإرادة المشاركين فيه والراعين له، بنجاحه وعدم بقاء مقرراته، حبراً على ورق.
في الساعات المقبلة، ينتظر أن تخرج الكتل السياسية بإجاباتها على "حوار بري" ومساعي جان ايف لودريان. والعودة الى "رينو جنبلاط" و"تاكسي جعجع" تؤكد أن لا مانع أمنياً ولا لوجيستياً ولا سياسياً يحول دون انعقاد حوار، إذا ما اقتنع الجميع بأن الطريق بين اللبنانيين بيقى أقرب من ترهيب وترغيب دول اقليمية أو غربية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك