ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، تحدث فيها عن الإمام السيد موسى الصدر، معتبراً أن السيد موسى "قدم الدين بطريقة تعكس عظمة الله تعالى بالإنسان، وتتبع النصوص بطريقة تتطابق مع قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} بكل ما تعنيه الرحمة من مادة تشريعية وسياسات واستيعاب فكري وبرامجي، ونظّر للوجود ومنطق الدوافع الإنسانية بطريقة تتماشى مع حقيقة الإنسان والكون، كدليل لله على نفسه، وبطريقة تضع الإنسان في صميم مقصود كرامة الله من مفهوم الدين والرسالات السماوية".
وتابع: "لذلك بصدد خصومة الإمام الصدر الشديدة للحرب الأهلية وبخلفية فهمه لقيمة الإنسان وواقع المصير، كان يقول: الحرب الأهلية لعبة مصالح قذرة، والعالم يعتاش على القتل والفظاعات بعيدا من قداسة الإنسان وواقع هدف الله الأكبر به، وأغلب دول العالم تخضع لضغط الشركات وأصحاب المال تدفع العلاقات البشرية نحو الجحيم... وعن الطوائف كان يقول: لا يريد الله مصادرة العقول، كما لا يريد مصادرة الطوائف والملل، لكنه لا يقبل بتجهيل الإنسان، ولا يريد تحويل الاختلاف بين الطوائف إلى حرب وخصومة، فكل له ضميره وملته، والمطلب الأول لله تعالى بخصوص الاختلاف هو السلام الذي ينعش التواصل والتضامن بين الخلق، وليس العداوة والغزوات والسيف... وهنا كان الإمام الصدر يقول: تعالوا لنتفق على قيم مشتركة، تحفظ كرامة الإنسان، وتمنع نار الطائفية والاختلاف، وبذلك نربح الإنسان والطوائف معا".
وعن مفهوم السلطة، لفت المفتي قبلان الى أن الإمام الصدر كان يعتبر أن "السلطة إنما شرعت من أجل الإنسان، كمجموعة اجتماعية ومصالح مشتركة لا ظلم فيها ولا إجحاف، والإنسان هنا كريم الله وخليفته في أرضه، ولا يجوز أن يتحول تابعا لإبليس، أو ضحية لنزعة غريزة، أو فساد طريقة. ووظيفة السلطة هنا حماية الضعيف وتأكيد المصالح العامة وتنفيذ مشاريع العدل وتثبيت الإنسان كأولوية للسياسات ومنع القوي من ابتلاع الضعيف".
ولفت إلى "أن السيد موسى كان دائما يحذّ "من اللعبة الدولية، لأن أطرافها يعيشون على الإبادة، والفظاعات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، بعيدا من عظمة الإنسان... ويؤكد خيار الدين والمقاومة. ودعا الشعوب لتأكيد حقها ودان اللعبة الدولية في فلسطين ودعا إلى استئصال السرطان الصهيوني وندد بالظلم والتخاذل، وخاض معركة تأسيس المقاومة وتأمين شروط انتصارها، وكان فدائيها ومنظرها الأول، وأصر على حماية الشراكة الوطنية والاستثمار بالعائلة اللبنانية، مؤكدا حق الطوائف بخصوصياتها، رافضا اللعبة الطائفية، ومصالح السياسيين التي تستثمر بالعداوة والحقد الطائفي والوطني، ودعا السياسيين لأن يتقوا الله بالإنسان، مؤكداً أن خلاص لبنان يمرّ بصيغة المواطنة، لأنها الخيار الوحيد الذي يضمن المصالح المشتركة، وخصوصيات التعدد الذي يعيشه لبنان. ولأنه إمام المقاومة والمصالح الوطنية وأعلن الحرب على النزعة الطائفية واللعبة الدولية الإقليمية التي حولت لبنان إلى مقبرة طوائف، ولأنه شكل قوة أخلاقية عابرة للطوائف، فقد تمّ اختطافه عبر لعبة إقليمية محلية قذرة، وما زال إمام الوطن والمقاومة سجينا من وراء القضبان".
ووجّه المفتي قبلان خطابه إلى القوى السياسية: "في مناسبة ذكرى الإمام الصدر، الوطن أمانة والدولة ضمانة، ولبنان وطن العائلة اللبنانية والنعرة الطائفية عار والسمسرة الخارجية ولعب دور المقاول الدولي خيانة للبلد والناس"... وإلى من يذكر الشيعة بالإمام الصدر ومدرسته: "إن كنت حريصا على وصية الإمام الصدر فوصية الإمام الصدر تقول: الحوار والتلاقي والتسويات الداخلية إكسير مصالح لبنان العليا، ولا يقوم لبنان إلا بالتلاقي الإسلامي المسيحي، بعيدا من الخرائط الدولية الإقليمية".
وأكد أن "الإمام الصدر هو من أسس المقاومة، واعتبرها ضرورة سيادية للبنان، وهو من أطلق شعاره الشهير: "إسرائيل شر مطلق"، والصهيونية عقيدة انتقامية ونزعة عدوانية، والحل بزوالها من الوجود، والوحدة الوطنية أوكسجين وجود وبقاء لبنان".
ووجّه خطابه للبعض: "أليس من المعيب استجداء الحوار! خصوصاً أن البلد مفتوح على جواسيس الكارتيلات الدولية بشكل معيب، وأي خطأ في الشارع لن يرحم أحدا، فاحذروا من لعبة الفوضى، ونؤكد للجميع أنه لا حل من دون تسوية داخلية".
أما بخصوص القرار الأممي ودور "اليونيفيل"، فاعتبر أن "الحبر الأزرق لا قيمة له إلا بمقدار ما تحتاجه السيادة اللبنانية والمصالح الوطنية عندنا خط أحمر، والتهويل بحرب إسرائيلية وشيكة حيلة عاجز، وتل أبيب أعجز من أن تخوض أي حرب مع المقاومة، بل على العكس أي حرب تقع ستكون بمثابة القشّة التي ستكسر ظهر البعير الصهيوني".
وختم المفتي قبلان قائلاً: "نعاهد الإمام الصدر بحماية الشراكة الإسلامية - المسيحية، والمصالح الوطنية، والتفاني بمشروع المقاومة، التي تشكل عظمة سيادة لبنان والذود عن حركة أمل وحزب الله كثنائي وطني ضامن لمصالح لبنان، والدفع نحو صيغة المواطنة التي تؤسس لعدالة الدولة وصيغة الشراكة وكرامة الإنسان".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك