كتب فؤاد بزي في "الأخبار":
يعود لبنان غداً دولةً موحّدةً على مستوى التوقيت، على إثر انقسامٍ شطر مواطنيه بين مؤيّدين للتوقيت الشتوي الممدَّد له، ومؤيّدين للتوقيت الصيفي المؤجَّل حتى نهاية شهر رمضان. وتأتي العودة إلى الوحدة على إثر طلب حكومة تصريف الأعمال من رئيسها التراجع عن قراره بتمديد العمل بالتوقيت الشتوي، وإصداره قراراً يقضي بـ«تقديم السّاعة 60 دقيقة ابتداءً من منتصف ليل الأربعاء الخميس».
مجريات الأيام التي لحقت بالقرار الحكومي الأول من الصعب المرور عليها، حتى يمكن تسميتها بـ"حرب الساعتين".
لبنان على توقيتين
في لبنان، بدأ العمل بنظام التوقيتين الشتوي والصيفي في 9 كانون الأول 1940، على إثر إصدار المفوّض السّامي الفرنسي وقتها غبريل بيو قراراً بـ«تقديم السّاعة 60 دقيقة في جميع الأراضي المشمولة بالانتداب»، واستمرّ العمل بهذا النظام، ولكن كان شهرا أيار وتشرين الأول يمثلان موعدي تقديم السّاعة في الأول وتأخيرها في الثاني، وقد سُجّلت «خروقات» لم تؤدِّ إلى نشوب «حرب السّاعتين» كما حصل في الأيام الماضية. في عام 1989، قرّر يومها رئيس الحكومة العسكرية ميشال عون «تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي حتى 10 أيار بدل الأول منه، نظراً إلى مصادفة حلول شهر رمضان»، وعنونت الصحف أنّ الحكومتين المؤقتة والعسكرية اتفقتا على أمر واحد هو «التوقيت». وفي عام 1992 عدّلت الحكومة اللبنانية موعدي تقديم وتأخير السّاعة، وجعلتهما صباح آخر أحد من شهر آذار، وآخر أحد في شهر أيلول، أمّا آخر تعديل على القرار الحكومي فقد حصل عام 1998 (ساري المفعول حتى اليوم)، ونقل الموعدين إلى منتصف ليل آخر سبت أحد من شهر آذار وشهر تشرين الأول، وتمّ ذلك بناءً على «طلب وزارة النقل لملاءمة الأنظمة الملاحية الجوية الدولية».
الاقتصاد أولاً
علمياً، يتفاوت طول الليل والنهار في الدول الواقعة شمال وجنوب خط الاستواء فقط، حيث تتساوى ساعات الليل والنهار تقريباً طوال السّنة، وكلّما ابتعدنا عن الخط الأخير يزداد الاختلاف نظراً إلى ميلان محور دوران الكرة الأرضية، وصولاً إلى القطبين الشّمالي والجنوبي، حيث يمتدّ طول الليل لشهرين متتاليين، وهناك لا تنفع خدعة التقديم وتأخير السّاعة.
فعلياً، تأتي فكرة نظام التوقيتين بهدف «حفظ الطاقة وتأجيل استخدام الإضاءة الصناعية في المساء»، ولا دخل لها أبداً بمواكبة التطورات العلمية، إذ تشير ترجمة العبارة الأجنبية لـ«تقديم وتأخير السّاعة»، إلى «الحفاظ على ضوء النهار Day light saving»، وتشير السّجلّات التاريخية إلى أنّ أوّل من سنّ هذا القانون وطبّقه كان ألمانيا القيصرية خلال فترة الحرب العالمية الأولى عام 1916، ولكنّ مقاطعة «بورت آرثر» الكندية سبقت ألمانيا بثماني سنوات، وأعادت عقارب ساعاتها إلى الوراء عام 1908.
الهدف الألماني وقتها كان «حفظ الفحم، والتخفيف من استهلاك الطاقة»، ومن بعدها لحقت بها بريطانيا وروسيا والولايات المتحدة وعدد من دول العالم. وبحسب دراسة أجريت في كندا، فهذا الإجراء يساهم في التخفيف من استهلاك الطاقة بنسبة 3.5%، إلا أنّ تغيير أنماط الاستهلاك اليوم يطرح سؤالاً جدياً حول مدى أهمية الاستمرار في اعتماد هذا النظام، إلا أنّ الدراسات لا تعطي نتيجة واضحةً، ولا سيّما أنّ استهلاك الكهرباء يتأثر بالجغرافيا، والمناخ، والاقتصاد، بل تطالب بـ«الاستفادة القصوى من ضوء الشمس».
الأفكار الأولى لاعتماد التوقيتين الشتوي والصيفي
تعود الأفكار الأولى المطالبة باعتماد توقيتين إلى وقت أبعد من القرن التاسع عشر بمئتي سنة، إذ اقترح بنجامين فرانكلين عام 1784، خلال فترة عمله في فرنسا، على سكان باريس «الاقتصاد في استخدام الشموع والاستيقاظ مبكراً بدل السّهر للاستفادة من ضوء الشمس»، ومن ثمّ قدّم عالم الحشرات النيوزيلندي جورج فيرنون «التوقيت الصيفي» بورقة علمية محكمة، إذ سمحت له مراقبة الحشرات بـ«إحصاء ساعات ضوء النهار». ولكن تُنسب النصوص القانونية الأولى المطالبة بـ«تشريع التوقيتين» إلى العالم الإنكليزي وليم ويليت، الذي «أزعجه نوم سكّان لندن بعد شروق الشمس خلال فصل الصيف»، فتقدّم لأولّ مرّة بطلب «تعديل قانون» إلى مجلس العموم البريطاني عام 1908، ولكنّه لم يؤخذ على محمل الجدّ.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك