كتب د. جيلبير المجبِّرْ في "اللواء":
في الدول المتحضرة والتي تعتبر أنّ للشعب حقوق عليها، إنّ هذه الدول وقد زِرْتُ أكثرها تعتبر جريمة هدر المال العام من الجرائم الخطيرة التي تسنّها التشريعات من أجل مواجهتها ومنعها. وتكون القوانين مرتكزة على فرض عقوبات بحق مرتكبي أي فعل من الأفعال المؤدية إلى هدر المال العام أو من خلال فرض الإجراءات والإحترازات اللازمة للحد من هذا النوع الجرمي.
في مفهوم المال العام، المال العام في القانون هو ما يملكه أي إنسان من أشياء مادّية، أو ما يُعرف بالأموال التي يعود نفعها للعامة وغير قابلة للتملُّكْ. كما يعتبر القانون كما جاءت في نصوصه أمولاً عامة جميع العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص الحكمية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى القانون أو النظام، ولا يجوز في جميع الأحوال التصرف في هذه الأموال أو الحجز عليها أو تمّلُكها بمرور الزمن.
من أرض الغربة وبمعية فريق عملي في لبنان دأبنا على تحليل بنود الموازنات كما تصل إلينا، فالواضح منها وإستنادًا إلى خبراء مجازين في المحاسبة أن "حنفيّة الهدر مفتوحة ع مد عينكم والنظر" ومن دون خجل ولا يقظة ضمير، والغريب في الأمر أنّ قبل كل ميزانية يطلعون عليها الرأي العام يظهر علنًا أنّ هناك عجزًا فاضحًا في ميزان المدفوعات والسبب عجز بالميزانية خصوصًا مع تزامنها مع علميات هدر منظمة لا بل مقوننة على قياس الطبقة الحاكمة، والهدر له بنوده المبهمة فالمال العام هو بتصرُّف هؤلاء السّادة وبالتضامن والمشاركة.
نلاحظ وبناءً على تقارير تردنا تباعًا من إختصاصيين في علم المحاسبة إنّ بعض بنود الميزانيات تشهد هدرًا كبيرًا في المال العام وذلك بمبالغ غير مدروسة وغير قانونية وغير مفصلة ومبهمة وهي التي تسبِّبْ العجز بالميزانية، كل البنود التي ترد في الموازنات مجتمعة وهي لا تحصى هي عمليًا أعلى من قيمة الضريبة التي تنوي الوزارة المعنية فرضها على المواطنين.
إنّه غيض من فيض ممّا يُعرف بالهدر في مؤسساتنا الحكومية وعلى سبيل المثال وليس الحصر لقد تقدمت مجموعة تطلق على نفسها "الشعب يُريد إصلاح النظام" بإخبار للنيابة العامة المالية تسجل برقم صادر 2953 /2021 ضد كل من يظهره التحقيق من الوزراء والمديرين والموظفين والمتعاقدين بجرم هدر المال العام على خلفية توظيفات عشوائية وهمية لعدد كبير من العاملين في الإذاعة اللبنانية، وأضيف لكم خبرًا مفاده أوقفت عناصر من «فرع المعلومات» في قوى الأمن الداخلي أمين السجل العقاري في المتن الشمالي - الزلقا وعددًا من الموظفين العاملين في الدائرة للتحقيق معهم بناء على إشارة القضاء في ملف الفساد وهدر الأموال في الدوائر العقارية إضافة إلى قرار قضائي برفع السرية المصرفية عن رئيس مجلس الإنماء والإعمار وآخرين، لقد تقدّم المحامي ربيع بركات إخبارًا إلى النيابة العامة المالية بحق وزراء الطاقة السابقين جبران باسيل وسيزار أبي خليل وندى البستاني بجرم هدر المال العام هذا، فيض من غيض والمساحة لا تسمح بأكثر من ذلك.
الدولة بواسطة حكامها تُشرِّع بكل وقاحة وقلّة ضمير هدر المال العام عبر إعداد ونشر موازنات دون قطع حساب وفقًا لا يفرضه الدستور اللبناني إستنادًا للمادتين 86 و87 وهذا الأمر يُعّد خرقًا فاضحًا للدستور ويجب ملاحقة كل مرتكب وكل من وقّع على هذه الموازنات.
لموضوع الهدر خصوصية في "جمهورية الموز" وأسباب هذا الإنهيار المالي الكبير وضياع أموال الدولة وتراكم ديونها لأكثر من مئة مليار دولار بات من الواجب البحث العلمي والقانوني للتصدي بقوة لمكامن الخلل وإغلاقها وضبط هذه المنظومة، وبالتالي خلق منظومة سياسية لضبط وحماية المال العام وللوصول إلى هذه النتيجة يقتضي الأمر بالقانون توقيف الكل ومن دون إستثناء، هل لدينا القدرة على فعلْ ذلك وإلا سيبقى الهدر "ع مد عينك والنظر". لكم القرار.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك