كتب عمر البردان في "اللواء":
كل الظروف التي تدفع للانفجار الكبير الذي لم يعد موعده بعيداً، يبدو أنها تجمعت وأصبحت في متناول اليد. فالدولار الأميركي يسير صعوداً في السوق السوداء نحو المائة ألف ليرة الأولى، مدفوعاً بقرار اعتباطي رفع الدولار الجمركي فجأة إلى 45 ألف ليرة. وهو أمر يحمل في طياته انعكاسات بالغة السلبية على أوضاع المواطنين الذين يئنون من الجوع، بعدما فقدوا كل شيء. وبالتالي لم يعد ممكناً مواجهة الارتفاع الصاروخي لسعر صرف الدولار، والذي تفلت من كل عقال، بعد إقدام مصرف لبنان على استخدام ما لديه لوقف تصاعده، ولم يفلح. فيما يتجه الاتحاد العمالي العام والنقابات إلى رفع الصوت، رفضاً لما يجري، من خلال التحضير لتحرك كبير في الأيام المقبلة، سيسبقه لقاء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المالية يوسف خليل، للوقوف على الظروف التي أملت اتخاذ هذا القرار، والدعوة إلى إلغائه لأنه في غير محله، لما ستكون له من تداعيات على أوضاع الناس الحياتية.
ولا تتردد أوساط اقتصادية، في التحذير من تداعيات قرار رفع الدولار الجمركي، في ظل ظروف شديدة التعقيد، ومع استمرار الارتفاع الهستيري للدولار الأسود. بالنظر إلى ما سيلحقه من ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، عكس ما يقال خلاف ذلك. في وقت كان الأجدى بالحكومة أن تؤجل اتخاذ مثل هكذا قرار دون دراسة معمقة، بانتظار تحسن الأوضاع وما يمكن أن يطرأ من انخفاض على سعر الدولار الذي يبدو أن لا حدود أمامه ليتوقف عندها، طالما أن «المركزي» أصبح عاجزاً عن التدخل. لا بل أكثر من ذلك، فإن إجراءات مصرف لبنان ما عادت تنفع، باعتبار أنه بات يحاذر التدخل في السوق، تفادياً لخسارة المزيد من احتياطياته من العملات الصعبة، مع ازدياد الحديث عن عمليات تهريب وعلى نطاق واسع للدولار الأميركي، باتجاه سوريا ومصر دون تدخل فاعل من قبل السلطات اللبنانية لمنع حصول هذا الأمر.
وفي حين ينذر الخلاف النيابي الطائفي النافر الذي ظهر بتعطل اجتماع اللجان النيابية المشتركة أول أمس، بمزيد من الانقسامات الداخلية التي قد تأخذ البلد إلى حلقة جديدة من حلقات التناحر التي ستزيد من عمر الشغور الرئاسي، كان لافتاً تحذير البطاركة الموارنة من مخاطر أمنية تتهدد اللبنانيين، جراء اتساع نطاق الجرائم والتفلت الأمني، ما ينذر بأن الأمور قد تفلت من عقالها على هذا الصعيد، إذا لم تبادر الأجهزة الأمنية إلى القيام بما هو مطلوب منها لتعزيز أمن الناس في مختلف المناطق. بعد حصول تطورات مقلقة لا تحمل على الارتياح، مع انسداد مخارج الحلول السياسية، بفعل تصلب المواقف وعدم استعداد الفرقاء لتقديم تنازلات تُخرج البلد من النفق.
وفي وقت حمّل البطريرك بشارة الراعي الكتل النيابية مسؤولية استمرار الشغور الرئاسي، بحكم أنه وكما علم لا يعفي هذه الكتل من التعطيل، وإن بنسب متفاوتة، كشفت معلومات أن تحرك السفيرتين الأميركية والفرنسية آن غريو منسَّق مع سفراء دول الاجتماع الخماسي، وغايته إيصال رسالة إلى القوى السياسية اللبنانية، بأن المجتمع الدولي الذي لا زال على موقفه الداعم للبنان، ينظر بعين القلق إلى تداعيات الانهيارات الكارثية التي تضرب هذا البلد، وتحديداً على الصعيدين الاقتصادي والمالي، مع ما لها من انعكاسات معيشية وحياتية على اللبنانيين الذين لم يعد بمقدورهم تحمل المضاعفات على مختلف الأصعدة. وهذا مؤشر خطير للغاية بالنسبة لمسار الأوضاع، وما يمكن أن تصل إليه في مرحلة لاحقة، ستكون أشد قتامة من أي وقت مضى.
وانطلاقاً مما تقدم، فإن الاجتماع الخماسي، وإن أبقى مداولاته مفتوحة، إلا أن السفيرتين شيا وغريو، كانتا واضحتين، في التأكيد على أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة، لناحية أن لبنان لم يعد بمقدوره تحمل تبعات استمرار الشغور الذي يهدد بنية الدولة بكل مرافقها. وبالتالي لم يعد أمام المسؤولين الكثير من الخيارات، لأن الوقت يضيق، ولا بد من قرار تاريخي لإنقاذ لبنان وانتخاب الرئيس العتيد الذي سيفتح معه أبواب الدعم الخارجي. وأكثر من ذلك فإن المسؤولين لا يملكون ترف الوقت، ولا بد لأن يبادروا ويكونوا على قدر المسؤولية. وهذا ما يفرض مجيء رئيس يضع مصلحة بلده أولوية، ويعيد جسور الثقة مع العالمين العربي والدولي.
واستناداً إلى ما توافر من معلومات على هذا الصعيد فإن الخارج، يرمي بكرة التعطيل إلى الأطراف اللبنانية التي لا زالت تتنكر لواجباتها في الإسراع بانتخاب الرئيس العتيد الذي يشكل برأي الدول المانحة، بوابة العبور إلى شاطئ الأمان في هذا البلد الذي يواجه ظروفاً شديدة الخطورة منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث لم تنجح كل المحاولات التي بذلت لإحداث تغيير في الواقع، يخفف من مأساة اللبنانيين وآلامهم. وهذا يضع جميع المسؤولين أمام واجب التحرك السريع لإنجاز الانتخابات الرئاسية، وفتح الآفاق أمام مرحلة جديدة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك