كتب زياد شبيب في "النهار":
حين زار الرئيس ماكرون لبنان "مبادراً"، اجتمع في قصر الصنوبر بالقوى السياسية الممثلة في البرلمان معيداً إليها بعضاً من شرعية تمثيلية كانت خسرت نسبة كبيرة منها بعد 17 تشرين 2019 وخسرت ما تبقى منها بعد تفجير بيروت في 4 آب 2020. وعندما أتى وزير خارجيته اجتمع في المكان نفسه بقوى المعارضة المفترضة التي وإن تمكنت من تعرية القوى الحاكمة أمام اللبنانيين فهي لم تتمكن من اكتساب الصفة التمثيلية بديلاً عن السلطة، وإن كان دعاها إلى شدّ العزيمة وتوحيد الجهود لخوض الانتخابات.
وبالأمس كان يوم لبنان في الفاتيكان ووصف قداسة البابا اللقاء بأنه للصلاة والتأمل لا يعني بأنه يختص بالشأن الكنسي، فسبب الاجتماع سياسي يتصل بالأزمة التي يمر بها لبنان والخوف على مصيره من تداعيات الأزمة غير المسبوقة والمتغيرات التي تجري في المنطقة.
يروي أنطوان الحكيّم في كتابه الفريد عن ولادة دستور لبنان عام 1926، أن المفوض السامي الفرنسي عهد إلى المجلس التمثيلي أو البرلمان مهمة إعداد الدستور فقامت لجنة منبثقة عنه باستطلاع آراء رؤساء الطوائف وأعضاء المجالس التمثيلية والنقابات وغيرهم، الذين كانوا يتولون مناصبهم تلك بسبب انتمائهم الطائفي. وكان من الطبيعي بالتالي أن يكون الاتجاه المحافظ على تلك القاعدة راجحاً. ويذكر الحكيّم بأن وثائق أرشيف بكركي تظهر أن قادة الكنيسة المارونية قد ركزوا في مراسلاتهم مع المفوض السامي على تثبيت التوزيع الطائفي لمقاعد المجلس النيابي وعلى قوانين الأحوال الشخصية وحرية التعليم الديني.
وفي العام 1926 كتب جبران تويني (أبو غسان، كما كان يوقع مقالاته في جريدة الأحرار المصورة آنذاك) منتقداً قيام لجنة الدستور باستشارة القاصد الرسولي المونسنيور جيانيني بشان الدستور، وسأل تويني كيف جاز للجنة أن تطلب من نيافة القاصد الرسولي وهو إيطالي غريب عن لبنان رأيه في الدستور؟ هل من الجائز أن يؤخذ رأي الممثلين السياسيين الأجانب في دستور لبنان؟ ولماذا لم تسأل اللجنة، عملاً بهذه القاعدة، قناصل الدول في بيروت عن رأيهم في الدستور؟
لا شك أن اعتراض تويني المبدئي كان يتزامن مع شعور سائد آنذاك بمشكلة حقيقية في التمثيل في عملية صناعة الدستور وتأسيس الدولة الوليدة، ففي العدد اللاحق من الجريدة نشر رسالة ممن وصفه بـ "أحد وجهاء الطائفة الأرثوذكسية" قال فيها: "مسكينة هذه الطائفة في موقفها إزاء الدولة المنتدبة، وإزاء الحكومة اللبنانية. فلا هي مع الذين آمنوا، ولا هي مع الذين كفروا. إن مالت الدولة مع المسيحيين، لم يعتبروها مع المسيحيين... وإن مالت إلى المسلمين لم يعتبروها مع المسلمين." واشتكى "الوجيه" من تمييز السلطات بين المواطنين ومن سوء العلاقة بين بطريرك الارثوذكس والمفوض السامي وقلة الاحترام التي يعامله بها هذا الأخير...
بعض الاكليروس يمارس دوراً ملتبساً في غياب التمثيل السياسي الحقيقي للمواطنين المنتمين دينياً الى طوائف في ظل إشكالية النطاق الكنسي الأوسع من الجغرافيا اللبنانية والاعتراض المتنامي على الطائفية السياسية ونجاح السياسيين الطائفيين بإلصاق التهمة برجال الدين. جولة البطريرك يوحنا العاشر على رؤساء الطوائف المسلمين قبل لقاء روما كانت في محلها ولكنها أثارت تساؤلات عن غياب مطران العاصمة عن الجولة. بعضهم اعتبر الغياب خللاً في التمثيل وآخرون اعتبروا أن صوت المتروبوليت عودة مسموع دون أن يحضر.
تمثيل القوى السياسية للبنانيين يثير إشكاليات كبيرة ولا يعوّضه التمثيل الديني. ولا شك أن المشكلة ستتعاظم مع كل استحقاق، والسؤال الذي سيطرح هو من سيمثل اللبنانيين في أي مؤتمر أو اجتماع مقبل يؤثر في مصيرهم؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك