كتبت نرمين زيدان:
خمسة وسبعون عامًا مرُّوا على النَّكبة الفلسْطينيَّة. ترافقوا مع العديد من النِّزاعات، الحروب والأزمات على مرِّ السنين. خمسة وسبعون عاماً من الحصار، الألم، المعاناة، الجوع والخوف.
فهل يُمْكنكم أن تتخيَّلوا كَيْف يعيش الطِّفْل الفلسْطينيُّ؟
الطِّفل الفلسطينيِّ يختلف عن سائر أَطفال العالم. فحياته تُختصر بأربع كلمات فقط دمع، دماء، جراح وألم. حياته لا تشبه حياة أطفال العالم. أَضحى أكبر أحلامه أن ينام بهدوء دون خوف دون أصوات المسيّرات والقصف، أن يتعلَّم كبقيَّة الأطفال، ويلعب.
فالطُّفولة في فلسطين لا تعني اللَّهو واللّعب بل القهر، الحصار، التَّعب والانتفاض. فماذا يساوِي الحبر أمام معاناتهم وما معنى الكلمات والحروف أمام خوفهم؟
فلا كلمات تستطيع وصف ألمهم وحزنهم. إنها طفولة مسلوبة مقهورة!
يعاني الطِّفل الفلسطينيُّ من كافَّة أنواع الحرمان من أبسط حقوقه، وكذلك أبسط مقومات عيشه. لتتفاقم المعاناة مؤخراً على أثر العدوان الإسرائيليِّ على قطاع غزَّة.
لمعرفة أي بيئة يعيش فيها الاطفال هناك، فلنستعرض ما تركه العدوان، الذي أدَّى إِلى إِبادة عائلات بأكملها وتدمير بيوت المدنيِّين واستهداف المدارس، المستشفيات، المستوصفات وسيَّارات الإسعاف وإخراجهم عن الخدمة. وكما تمَّ قطع الكهرباء والماء، ومنع وصول المساعدات والوقود ونفاد الأدوية. كما أدَّى إغلاق المعابر إلى نضوب المخزون في المتاجر. وإعادة تكرار مشاهد الطَّوابير الطَّويلة للحصول على رغيف خبز أو تعبئة المياه. أمَّا المستشفيات فشارفت على الانهيار في ظلِّ الحاجة الماسَّة للفرق الطِّبِّيَّة والْمعدَّات، وعدم قدرتها على استقبال المزيد. فأَصبحت مقابر جماعية للمصابين والمرضى. كما أصبح الحصول على وجبة غذائِيَّة تحدِّيًا صعبًا. وعدا ذاك لقد افتراش النَّاجون الطُّرقات بعدما تمَّ تهديم بيوتهم وإجبارهم على الهجرة القسريَّة.
بالتَّزامن مع ذلك، يكبر القلق وتزداد المخاطر ونبدأ بالمخاطر الصِّحِّيَّة، حيث يفترش آلاف النَّازحين والمصابين الأرض ويقيمون داخل خيم نصبت أمام المستشفيات. إذ بلغت نسبة الإشغال السَّريريِّ داخل المستشفيات 170 بالمئة. بالإضافة، لإكتضاض النَّازحين داخل الملاجئ ومراكز الأنوروا. كما ذكرنا سابقًا، انقطاع المياه وافتقار المستشفيات للمعدَّات الطبيَّة اللَّازمة فضلا عن الأعداد الرَّهيبة داخل المستشفيات وعلى الطُّرقات. كلها تشِّير لكارثة صحِّية! والتّخوُّف من انتشار الأوبئة والأمراض المعدية مثل الجدري، الإسهال، والإنفلونزا بسبب افتقار النَّازحين للمياه والنَّظافة الشَّخصيَّة واختلاط مياه الشُّرب بِمياه الصَّرف الصِّحِّيِّ. إضافة الى الاختلاط الكبير في مراكز الإيواء التي تؤدِّي إلى مشاكل صحِّية وخيمة. أمَّا بالنِّسبة للأضرار الفادحة للعدوان فكما ذكَّرنا سابقًا أنَّه تمَّ تهديم وتدمير العديد من البنى التَّحتيَّة ومحطَّات توليد الطَّاقة. بالإضافة، إلى خسائر اقتصاديَّة وبشرية ضخمة. كلها ستؤثِّر بشكل معاكس على الحياة المعيشيَّة بعد الحرب. إذا وجد!
كلُّ تلك المجازر التي ترتكب بحقِّ المدنيِّين والأطفال تولِّد صدمات نفسية طويلة الأمد. مشاهد القصف والقتل التي ترافقهم أينما ذهبوا تخلُّف في ذاكرتهم مآسي لا تفرِّق بين صغير أو كبير. آلاف الأطفال يرون أمَّهاتهم وآباءهم يقتلون أمام أعينهم. يحدِّقون في لا شيء في بيوتهم المدمِّرة، بأحلامهم الصَّغيرة التي دفنت تحت الرُّكام. ينظرون إِلى لا شيء إِلى بقايا أشلاء الجرحى، إِلى مناظر الشُّهداء والدَّمار من حولهم. فهل تساءلتم للحظة عن الأَثار النَّفسيَّة لكلِّ هذه الصَّدمات؟
ذكرت منظمة الأمم المتَّحدة للطُّفولة "يونسيف" أن الجوْلات المتكرِّرة من الصِّراع والْعمليَّات العسكريَّة خلّفت أكثر من 816 طفلا تحت الـ18 عامًا في غزَّة بحاجة إِلى دعم نفسي. وكشف تقرير نشرته "الغارْديان" أنَّ أولاد غزَّة باتوا يعانون من أعراض صدمة شديدة. وقال الطبيب النفسي في غزَّة فاضل أبو هين عن أَعراض الصَّدمة الشَّديدة والتي تشمل "الخوف، والعصبيَّة، والتَّشنُّجات، والسُّلوك العدوانيُّ، والتَّبوُّل في الفراش، وعدم ترك والديْهم أبدًا". وقدَّرت منظمة الصِّحَّة العالميَّة، أنَّ 120 أَلف شخص يعانون من أمراض نفسية جرَّاء الحرب الأخيرة وحدها، في حين بات العدد مرشحا للزِّيادة بِصورة كبيرة مع استمرار الصِّراع. وحدَّد استشاريٌّ للطِّبِّ النفسي جمال فبرويز أنَّ الآثار النَّفْسيَّة تختلف من شخص لآخر. فالأكثر ضرراً هم العصابيَّين والمصابين بأمراض نفسية كالاكتئاب أو الوسواس القهري، أو من لديهم جينات وراثيَّة للمرض النفسي. فمشاهد القتل والدِّماء والأشلاء والدَّمار تؤدِّي إلى اضطرابات نفسية بالغة. بالإضافة إلى ذلك ترك آثار ما بعد الصَّدمة مثل الهلع، واضطرابات النَّوم والطَّعام، والوسواس القهري، واضطرابات سلوكيَّة لدى الأطفال، إلى جانب ذلك بعض الأعراض الجسديَّة النَّاجمة عن التَّوتُّر مثل القيء والتهابات الجلد والقولون والبطن والآلام المزمنة.
وأما المدارس، فعن أي مستقبل تربوي نتحدث، وها قد انتهى العام الدراسي في غزة، لأن جميع الأطفال قد نالوا الشهادة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك