هل تكون الحكومة مجلس نواب مصغراً؟
26 حزيران 2018 15:53
في خضم المعمعة الحكومية وموجة السجالات العقيمة في شأن الحصص السياسية من قالب جبنة التشكيل، وكيفية توزيعها على الكتل والاحزاب، وهو شأن معهود إبان مراحل تأليف الحكومات في لبنان، كون العملية تتخذ طابعا سياسيا، اكثر منه عملي خدماتي يستوجبه منطق العمل الحكومي في سائر دول العالم باعتبار ان المهام المنوطة بمجلس الوزراء اجرائية تنفيذية، يستغرب مرجع دستوري الضجة المثارة حول دور رئيس الجمهورية وحصته في الحكومة وهو "الآمر الناهي" في هذا الشأن كون الولادة لا يمكن ان تتم من دون توقيعه على مرسوم التأليف والى جانبه الرئيس المكلف.
فمسار التشكيل منذ لحظة انطلاقه بالاستشارات النيابية التي يؤكد المرجع لـ"المركزية" انها ليست ملزمة، كما يُشاع، ما دامت تحمل في تسميتها نفي صفة الالزام كونها استشارات وليست واجبا دستوريا، يلعب رئيس الجمهورية الدور الاساس فيه ان بالتشاور مع الكتل السياسية او بتسمية الرئيس المكلف وانتهاء بالتوقيع على المرسوم، فهو اذا ما رفضه لعدم رضاه على تركيبة الحكومة او توزيع الحصص او عدم احترام صحة التمثيل، لا يمكن ان تبصر حكومة الرئيس المكلف النور.
اما الحصة الرئاسية، فيوضح المرجع انها يجب ان تكون خارج التداول والسجال السياسي، لا بل مطلبا لمجمل الافرقاء وموضع اجماعهم، وهي لا تقاس بالعدد او العمليات الحسابية وليست كونفدرالية طائفية، انما حقّ وعُرف يُكرسه الموقع الرئاسي في حد ذاته اذ، بعدما انتزع اتفاق الطائف صلاحيات مهمة من رئيس الجمهورية، بات لزاما منح الثلث الضامن له في الحكومة كونها الاداة التنفيذية التي يمكن من خلالها ان يترجم خطاب القسم والوعود التي قطعها للبنانيين واقسم اليمين بتنفيذها، فكيف له ان يقرن القول بالفعل اذا لم تتوافر له آلية التنفيذ عبر صوت فاعل ومؤثر داخل مجلس الوزراء؟
بهذا الثلث، يضيف المرجع يتمكن رئيس البلاد من خلق توازن مطلوب مع الرئاسة الثالثة في مجلس الوزراء، بعدما تصبح الحكومة في عهدة رئيسها منذ لحظة توقيع مرسوم ولادتها. اما موقع نيابة رئاسة الحكومة فيفترض ان يكون لرئيس الجمهورية الرأي الاول فيه، اذ غير جائز ان يكون نائب الرئيس مثلا على خلاف مع توجهات رئيس البلاد سياسيا، او تحكم العلاقة بينهما المناكفات و"النكايات"، بما ينعكس سلبا على انتاجية الحكومة في شكل عام، بل المطلوب انسجام ووئام ورؤية مشتركة الى الامور. واذ يعتبر المرجع ان لا عُرف يقضي بمنح نيابة الرئاسة لهذا او ذاك من الافرقاء وكأنها حق مكتسب، يشدد على وجوب مقاربة الموضوع من زاوية الفائدة العامة والمصلحة الوطنية لا الحصص السياسية فحسب.
هذا المبدأ يجب ان يسري ليس فقط على موقع نيابة الرئاسة، يشير المرجع بل على التشكيل برمته، فالحكومة ليست مجلسا نيابيا مصغرا، ليتم تشكيلها على قاعدة حجم التمثيل النيابي، اذ يكفي لكل فريق ان يمثله وزير واحد ومن خلف تياره السياسي ليكون حاضرا على المسرح الحكومي، على ان يكون الوزير من اصحاب الاختصاص والكفاءة وقادرا على ادارة وزارته بالمستوى المطلوب، خصوصا في هذه المرحلة بالذات حيث التحديات اكبر من قدرة بعض السياسيين على مواجهتها.