فرانسين يمنع الدفاع من الاطلاع على ملفات حاوي والمرّ وحمادة
28 كانون الأول 2011 09:36
أصدر قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، دانيال فرانسين، أمراً بمنع اطلاع رئيس مكتب الدفاع المحامي فرانسوا رو على تقرير المدعي العام دانيال بلمار بشأن تلازم جرائم اغتيال السياسي جورج حاوي ومحاولتي اغتيال الوزيرين الياس المرّ ومروان حمادة، مع جريمة اغتيال الحريري. فبحسب فرانسين، لا يحق لمكتب الدفاع أن يطلع على هذا الملف قبل صدور القرارات الاتهامية بشأن الجرائم الثلاث، علماً بأن مكتب الدفاع لم يطلع حتى اليوم على كامل ملف الاتهام في جريمة اغتيال الحريري، الذي يضمّ المواد التي استند إليها بلمار لاتهام أربعة أشخاص منتسبين إلى حزب الله. وبينما تدّعي أوساط القاضي فرانسين أن سبب ذلك يعود إلى تأخير بتّ توكيل محامي دفاع عن المتهمين الأربعة لحين اتخاذ المحكمة قرار بالسير في المحاكمات الغيابية، يذكر أن وظيفة مكتب الدفاع بحسب نظام المحكمة لا تقتصر على دعم الوكلاء القانونيين، بل تشمل كذلك «حماية حقوق الدفاع». وتستدعي «حماية حقوق الدفاع» الحفاظ على مبدأ «الوجاهية» القانوني، أي إن كلّ ما يقدّمه أحد الطرفين (الادعاء أو الدفاع) من مسعى أو مستندات أو إثبات يجب أن يبلّغ للطرف الثاني ويُناقش أمام القاضي قبل البت بشأنه. لكن فرانسين رفض تأمين هذا الحقّ لمكتب الدفاع في المحكمة الدولية على الرغم من أنه حقّ قانوني من بين الحقوق التي تضمن سير المحاكمات بنحو عادل. وفضّل اعتماد موقف طرف (الادعاء) على حساب الطرف الآخر (الدفاع). وبذلك أكدت المحكمة الدولية من لاهاي، مجدّداً، عدم تلازم إجراءاتها مع «أعلى المعايير الدولية في مجال العدالة الجنائية» التي ورد في نصّ قرار مجلس الأمن 1757/2007 وجوب احترامها.
وكان القاضي فرانسين قد أعلن تلازم الجرائم الثلاث مع جريمة اغتيال الحريري في 19 آب 2011 مستنداً إلى تقرير سرّي تضمن معلومات استقصائية وتبريرات قضائية صدر قبل ذلك بـ 14 يوماً (في 5 آب).
وفي 26 تشرين الأول الفائت طلب مكتب الدفاع من وحدة الدعم الإداري في المحكمة تطبيق النظام عبر إحالة التقرير المذكور على مكتب الدفاع. وبدل أن تخضع وحدة الدعم الإداري في المحكمة تلقائياً لما ورد في نظامها، أحالت طلب رو الاطلاع على تقرير بلمار، على فرانسين في 28 تشرين الأول. بدوره، وجه هذا الأخير، في تجاوز لافت لسلطة القاضي وصلاحياته، مذكرة إلى المدعي العام في 4 تشرين الثاني، طالباً منه إرسال ملاحظاته بشأن موافقته على تسليم رو نسخة عن التقرير الخاص بالجرائم التي استهدفت حاوي والمرّ وحمادة. وفي 9 تشرين الثاني أرسل بلمار ملاحظاته، مشدداً على وجوب عدم اطلاع الدفاع عليها بحجة أنها تتضمن معلومات حسّاسة بشأن الجرائم الثلاث. يدلّ ذلك، بالحدّ الأدنى، على تشكيك بلمار بنزاهة رو وفريق عمله واتهام مسبق لهم بعدم الحفاظ على سرية المعلومات المصنفة، بينما يفترض أن تكون العلاقات بين مكوّنات المحكمة الدولية الأربعة (الدفاع، دوائر القضاة، الادعاء، والقلم) مبنية على أساس سليم يجسّد احترام أخلاقيات المهنة وقواعدها ومنها الحفاظ على سرية المعلومات المصنّفة. أما في الحدّ الأقصى، فإن تصرّفات بلمار ومجرّد خضوع القاضي فرانسين لها، يدلّان على تلاعب محتمل وتدخل سياسي مرجّح في الشؤون القضائية.
ولعل أكثر ما هو لافت في الأمر أن فرانسين لم يصنّف تقرير بلمار عن تلازم الجرائم الأربع سرّياً حتى يوم 14 تشرين الثاني، ما يدلّ على أن تلكؤ وحدة الدعم الإداري في تسليم مكتب الدفاع نسخة عن التقرير قبل هذا التاريخ يمثّل تجاوزاً واضحاً لسلامة الإجراءات، وهو ما يزيد من دوافع التشكيك.
أما رئيس مكتب الدفاع، فلم يتوقف عن المطالبة باطلاعه على تقرير التلازم وأودع القاضي مذكرة مفصلة بهذا الشأن في 13 كانون الأول الجاري مناشداً القاضي «تجنّب اللاعدالة» ومستنداً إلى كلام ورد على لسان فرانسين نفسه الذي شدّد في نصّ مكتوب على أن «علانية الإجراءات القضائية هي القاعدة، أما السرية فهي استثناء» (2 أيلول 2011).
صحيح أن قواعد الإجراءات والإثبات تتيح لفرانسوا رو الطعن بقرار فرانسين أمام دائرة الاستئناف، لكن تصحيحاً محتملاً لقرار القاضي لا يلغي الواقع الذي دلّ بوضوح، من خلال تراكم تجاوزات المدعي العام، أن هناك مسّاً بقواعد المحاكمة العادلة.