تأكيدات أميركية للبنان بتحييده بينما دمشق تحاول توريطه
هيام قصيفي
24 كانون الأول 2011 06:56
يتلقى المسؤولون اللبنانيون، رسميون وعسكريون، تأكيدات متواصلة من الموفدين الاميركيين عن ثبات الموقف الاميركي في حماية لبنان وتحييده عن منحى الاحداث التي تعصف بالشرق الاوسط. وتختصر الزيارات المعلنة وغير المعلنة لديبلوماسيين وعسكريين وباحثين استراتيجيين، بأهمية العمل على منع انتقال التوتر الاقليمي ايا كانت هويته الى ساحة لبنان التي تحمل اساسا كل عناصر الفتنة ومقوماتها السياسية والمذهبية والاجتماعية والامنية.
وسعى هؤلاء الى تأكيد ما كان قاله مسؤولون في الامم المتحدة عن الملف اللبناني بأن ثمة تضافرا دوليا لعزل لبنان عن انعكاس الحدث السوري عليه، من دون ان يعني ذلك ان لدى اي طرف دولي وهماً ان ثمة من يرغب لبنانيا او اقليميا بنقل عناصر التوتر الى بيروت. وقد طرح هؤلاء على القيادات السياسية والامنية اسئلة محددة عن استعداد القوى الامنية لمواكبة اي تطور امني في المنطقة ولا سيما في سوريا، والتشدد في ضبط مسارب الحدود وبؤر الفتنة داخل لبنان. لكن العنصر الاهم في مقاربة الزيارات الاميركية، يكمن في ما كانت تتحدث عنه اوساط لبنانية منذ أشهر حول الانسحاب الاميركي من العراق، وانعكاسه ليس على الدول الحدودية فحسب بل على لبنان ايضا، انطلاقا من التقاطعات المذهبية التي يلتقي فيها العراق ولبنان، اضافة الى ان من شأن هذا الانسحاب ان يعطي للاميركيين والايرانيين والخليجيين حرية الحركة في اعادة رسم مشهد اقليمي جديد، من بغداد الى دمشق وبيروت.
وفي حين بدأت طلائع هذا الانسحاب تظهر في الانفجار الامني العنيف في العراق، وما واكبه من انقلاب سياسي - مذهبي، فان تزامن التحرك الخليجي بمبادرة سعودية لاقامة اتحاد خليجي، وتسارع وتيرة القمع السوري الدموي، حركا مجددا المخاوف من صدام خليجي - ايراني. وهو يأتي على خلفية تحرك الجامعة العربية واتجاهها الى تدويل الازمة السورية من جهة، ومحاولة طهران الامساك بزمام الامور في العراق من جهة اخرى .
لذا تبدو السلسلة العراقية - السورية - اللبنانية مترابطة، في خلفياتها وانعكاس احداثها. ولعل هذا ما جعل التوتر اللبناني الداخلي ينكفىء في لحظات بعدما بلغ ذروته قبل اسابيع قليلة وكاد ان يودي بالحكومة. وبحسب مصادر مطلعة فان "حزب الله" الذي كان اداؤه في الاعوام الاخيرة اقرب الى "حزب الفيتو" بمعنى الممانعة في عدد من الملفات السياسية الداخلية، استعاد زمام المبادرة بعدما ادت مواقفه الى إحداث شرخ كبير في العلاقة مع حليفه الابرز رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون. من هنا جاء التفاهم الجديد ليكرس اتفاقا داخليا بحتا حول ملف الاجور. وقد يكون هذا الملف في الاطار الاقليمي بندا تفصيليا بحتا، اما في اطار رسم المشهد العام، فقد جعله التصويت عليه في مرتبة القضايا الكبرى التي ادت الى تكريس استمرار عمل الحكومة وتجديد التفاهم نظرا الى الحاجة اليها ليس اكثر.
وجد "حزب الله" نفسه، مع جنوح الوضع السوري نحو التأزم، على مفترق طرق، فها هو وزير الخارجية السوري وليد المعلم يعلن خلال مؤتمره الصحافي عن وجود مناطق آمنة ومناطق غير آمنة تعرض سلامة المراقبين العرب للخطر. الامر الذي يضع جميع حلفاء سوريا ممن يتحدثون يوميا عن انتهاء الازمة السورية في موقع حرج. واستطرادا فان الحزب وضع امامه سيناريوات عدة حول سوريا، من الأكثر تفاؤلا حتى سقوط النظام او تغيير جغرافية سوريا، كما بدأ يحدث في العراق. لذا فان ما كان مطلوبا فعله في تمويل المحكمة، لضمان بقاء الحكومة، مطلوب اليوم ايضا في غير وجهة. أي في اعادة ربط مكونات التحالف الداخلي وتمتينه، لاحتمال الحاجة اليه في أي لحظة مصيرية.
واحتاج الحزب الى غطاء داخلي كما كانت حاله خلال حرب تموز. فالسلاح الذي في حوزته لا يحتاج اليه داخليا، لانتفاء وجود ند له، في حين ان تعزيز الحضور الداخلي يفترض تجانسا من نوع آخر. وما حدث بعد الفراق "الجزئي" مع عون، جعل الحزب يواجه للمرة الاولى حملة مسيحية - عونية ضد الحزب وادائه ووجوده حتى داخل المنطقة المسيحية. يضاف الى ذلك ان الحزب بدأ يعيش حساسيات طائفية في غير منطقة، على غرار ما حدث بين الشويفات وحاصبيا، واحداث اخرى في مناطق حساسة جرى التعتيم عليها لوأد الفتنة. وتبعا لذلك كان التصويت على مشروع الوزير شربل نحاس ضرورة ملحة، بغض النظر عن احقيته كمشروع صادر عن وزير يتمتع بكفاية علمية تتعارض مع موجبات ارباب العمل، ورغم ملاحظات وزراء في التحالف الشيعي على كل من نحاس والوزير جبران باسيل. واستطرادا وسع الحزب مروحة اتصالاته، وجاء اللقاء مع بكركي عبر المطرانين بولس مطر وسمير مظلوم، تأكيداً لمحاولته تطبيع الحركة الداخلية. وضبط الوضع على ايقاع الحزب يتلازم مع محاولة سورية لزج لبنان في ما يحدث فيها، تارة باتهام تيار "المستقبل" وتارة اخرى بتسلل عناصر "القاعدة" من لبنان اليها ومسؤوليتهم عن تفجير دمشق أمس. وبحسب معلومات امنية، فان ابلاغ سوريا، في حال حدوثه، لم يأتِ من جانب الاجهزة الامنية، وانما جاء تتمة كلام وزير الدفاع فايز غصن عن وجود عناصر من "القاعدة" في عرسال. وهذا يعني ان السعي المحلي والاقليمي الى توريط لبنان لا ينفك قائما، مقابل المحاولة الاميركية لتحييده.