زيارة عون إلى المملكة: شراكة متجدّدة وبارقة أمل
4 آذار 2025 07:51
في خطوة تعكس عمق الروابط التاريخية بين لبنان والمملكة العربية السعودية، حلَّ رئيس الجمهورية جوزاف عون ضيفًا على الرياض تلبيةً لدعوة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وتمثّل هذه الزيارة نقطة تحوّل في مسار العلاقات بين البلدين وتضع حدًا لحقبة شهدت العديد من التحديات، إيذانًا ببداية مرحلة جديدة من التعاون المشترك.
الرؤية السعودية 2030
اختيار الرئيس جوزاف عون للمملكة كأول محطة خارجية له يحمل دلالات استراتيجية، إذ أكد أن هذا القرار نابع من إيمانه بالدور المحوري الذي لعبته الرياض في دعم لبنان عبر العقود الماضية. كما عبَّر عن رغبته في أن يكون لبلاده مكانٌ في "رؤية السعودية 2030"، مشيدًا بجهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في دعم الاستقرار اللبناني، لاسيما دوره في إنهاء الفراغ الرئاسي الذي استمر لسنوات.
علاقات تاريخية راسخة
تتمتع العلاقات اللبنانية - السعودية بجذور عميقة تعود إلى عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، وكانت المملكة دائمًا في طليعة الداعمين للبنان، إذ لعبت دورًا محوريًا في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية عبر "اتفاق الطائف"، الذي لا يزال ركيزة أساسية للاستقرار السياسي في البلاد.
واليوم، تأتي هذه الزيارة لتؤكد أن المملكة ليست فقط شريكًا سياسيًا، بل أيضًا نافذة اقتصادية حيوية للبنان، حيث تمثل السوق السعودية والخليجية شريانًا رئيسيًا للصادرات اللبنانية، التي تعرضت لضربة قاسية بعد قرار وقف الاستيراد بسبب عمليات التهريب غير المشروعة.
عودة فتح الأبواب الاقتصادية
مع وصول الرئيس عون إلى المملكة، تجددت الآمال بعودة العلاقات الاقتصادية إلى مسارها الطبيعي. فوفق وزير الصناعة جو عيسى الخوري، كانت قيمة الصادرات اللبنانية إلى السعودية تصل إلى 500 مليون دولار سنويًا قبل توقفها. وكانت أبرز السلع المصدرة تشمل المنتجات الزراعية، والمعدات الصناعية والإلكترونية.
فرص استثمارية واعدة
يرى المستثمرون اللبنانيون في هذه الزيارة فرصة سانحة لتعزيز التعاون الاقتصادي. ويؤكد المستثمر طوني الراعي أن "زيارة الرئيس عون تمثل لحظة فارقة في تعزيز الاستثمارات المشتركة، وتفتح آفاقاً جديدة من التعاون المشترك في القطاعات الاستثمارية، لا سيما في القطاعات الواعدة مثل التكنولوجيا والطاقة، بما يتماشى مع رؤية السعودية 2030". مشيراً إلى المستثمرين في لبنان يتطلعون إلى الاستفادة من هذه الفرص لتعزيز الاستثمارات المشتركة وتوسيع نطاق التعاون في القطاع الخاص.
في السياق ذاته، يشير الخبير العقاري محمد ربيع عيتاني إلى أن "العلاقات السعودية اللبنانية تمتاز بعمقها التاريخي، وزيارة الرئيس عون تعزز فرص الشراكة في قطاع العقارات، بما يسهم في تحقيق نمو مشترك يخدم المصالح الاقتصادية للبلدين".
انعكاسات على الإعلام والثقافة
لم تقتصر آفاق التعاون على المجالين الاقتصادي والسياسي، بل امتدت لتشمل قطاعي الإعلام والثقافة. الناشر فادي مقنزح يرى أن "زيارة الرئيس عون تتيح فرصًا لتوسيع مجالات التعاون الإعلامي والنشر، ما يفتح المجال أمام تبادل الخبرات وتعزيز الحوار الثقافي بين الشعبين اللبناني والسعودي".
آمال بإعادة الثقة المالية
على الصعيد المالي، يؤكد الخبير الاقتصادي سامر شقير أن "التعاون المالي بين البلدين يكتسب أهمية متزايدة في ظل التحولات الاقتصادية العالمية، وزيارة الرئيس عون تفتح المجال لمناقشة فرص التمويل والاستثمار بما يعزز استقرار البلدين ويساهم في تحقيق الأهداف التنموية لرؤية 2030".
لبنان والسعودية: عودة الروابط بعد سنوات التحدي
يرى رئيس مجلس التنفيذيين اللبنانيين والمختص بالعلاقات العامة ربيع الأمين أن "الوقائع تغيرت، ما يسمح بعودة العلاقات الاقتصادية والتجارية إلى مسارها الصحيح، لاسيما بعد تعهد حكومة نواف سلام بمكافحة التهريب وضبط الحدود". وأضاف: "السعودية هي الوطن الثاني للبنانيين، وقد احتضنتهم لعقود، واليوم تتجدد هذه الروابط بروح التعاون والمصالح المشتركة".
الدعم السعودي للبنان ركيزة أساسية للنهوض بالاقتصاد الوطني
وأشاد الصناعي باسل البطل بالزيارة التي قام بها الرئيس عون، إلى الرياض، مؤكدًا أنها تأتي في توقيت بالغ الأهمية لتعزيز العلاقات المشتركة بين لبنان والمملكة العربية السعودية. وأضاف البطل: "إن هذه الزيارة تعكس عمق الروابط التاريخية بين البلدين، وتؤكد على أهمية التعاون في مختلف المجالات، لا سيما على الصعيدين الاقتصادي والأمني. نحن نثمن كل جهد يُبذل لتعزيز الاستقرار ودعم المؤسسات الوطنية، لما لذلك من أثر إيجابي على القطاع الصناعي والاستثماري في لبنان". وأشار البطل إلى أن الدعم السعودي المستمر للبنان يشكل ركيزة أساسية للنهوض بالاقتصاد الوطني، داعيًا إلى مزيد من الشراكات التي تخدم المصالح المشتركة.
تعزيز الثقة وتشجيع الاستثمارات
وفي السياق نفسه، ثمن مارون نجار، المختص في تنظيم المعارض والمؤتمرات، زيارة الرئيس عون إلى المملكة، مؤكدًا أنها تمثل خطوة إيجابية نحو تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. وقال نجار: "إن زيارة الرئيس عون إلى الرياض تعكس مدى حرص لبنان على توطيد أواصر التعاون مع المملكة، لا سيما في ظل التحديات الراهنة. هذه الزيارة تحمل دلالات مهمة على صعيد تعزيز الثقة وتشجيع الاستثمارات والتعاون في مختلف القطاعات، ومنها قطاع تنظيم المعارض والمؤتمرات الذي يُعدّ منصة استراتيجية لتطوير الشراكات الاقتصادية والتجارية". وأضاف نجار أن مثل هذه اللقاءات تساهم في خلق فرص جديدة لتعزيز التعاون بين المؤسسات اللبنانية والسعودية، مشيرًا إلى أهمية استمرار هذا النهج لدعم الاستقرار والتنمية في لبنان.
تحويلات الاغتراب رافد أساسي للاقتصاد اللبناني
يُذكر أنه يصل عدد المقيمين اللبنانيين في السعودية إلى نحو 100 ألف، 54 ألفاً منهم وفق هيئة الإحصاء السعودية يحملون إقامات على جوازات السفر اللبنانية، والباقي موزعون على لبنانيين حاملي جوازات سفر أجنبية أو لبنانيين حاملي تأشيرة عمل موقت. وخلال الفترة الماضية كانت تحويلات الاغتراب هي الرافد الرئيس للاقتصاد اللبناني، وبلغت بحسب البنك الدولي ما يقارب 7 مليارات دولار عبر البنوك ومنصات التحويل، وهناك مبلغ مُساوٍ سنوياً يحمله المغتربون معهم بعد تراجع ثقتهم بالقطاع المصرفي، وينعكس هذا الرقم في الاقتصاد وتحديداً في حجم الاستيراد الذي يبلغ 20 مليار دولار.
نحو شراكة متجددة
تأتي زيارة الرئيس عون في وقت حساس، حيث يواجه لبنان تحديات اقتصادية جسيمة، ويبحث عن شراكات تدعم استقراره الاقتصادي. وبالنظر إلى التاريخ الطويل من التعاون بين البلدين، فإن هذه الزيارة تمثل بارقة أمل للبنانيين، وفرصة لإعادة بناء الجسور الاقتصادية والثقافية مع المملكة، بما يعود بالنفع على كلا الشعبين.