عودة إلى الجذور... وادي التيم في فيلم
نادر حجاز
22 شباط 2025 21:01
ظلمت الجغرافيا منطقة وادي التيم، التي تضم قضاءي حاصبيا وراشيا. وحاصرتها اتفاقيات تقسيم المنطقة التي رفعت الحدود، وزرعت الكيان الإسرائيلي في قلب سوريا الطبيعية، ليبقى جبل حرمون المحاصَر وسط الحروب والنزاعات، شاهداً من عليائه على التاريخ وآلاف السنين من الحضارات.
خسر وادي التيم الدور بعدما كان طريق القوافل ونقطة الوصل بين لبنان وسوريا وفلسطين، والمعبر الطبيعي بين دمشق والقدس والقاهرة، وموطن الإنسان الأول.
لكن هذا الوادي الأنور، كما يصفه الموحدون الدروز، ومهد التجلّي كما يعتقد المسيحيون، ومستقرّ عبادات الشعوب القديمة، يحتضن إرثاً ثقافياً قلّ نظيره من المعابد المرتمية على التلال مقابل جبل الشيخ، الى ذاكرة الموحدين الأوائل بعدما كان قبلة دعوة التوحيد ووجهتها الأولى، وصولاً لكونه منطقة نموذجية قلّ نظيرها، محتضناً جميع المذاهب الاسلامية والمسيحية من دون استثناء، ليتحوّل الى أيقونة انسانية عابرة لكل الحواجز ويرقى الى ما هو فوق الأديان.
وفي مبادرة تحمل الكثير من الدلالات والمعاني، وُلد الفيلم الوثائقي "وادي التيم - وادي التنوع والتضامن"، فكرة ورعاية مؤسس مركز التراث الدرزي الشيخ سليم خير الدين، ومركزه لندن، مجدداً من خلال هذا العمل مسيرته لتشجيع الشباب للعودة الى الجذور، بعدما كان أصدر عن المؤسسة ٢٤ كتاباً تشكّل مرجعاً توثيقياً وكنزاً غنياً من بلادنا.
وقد أطلق مخرج الفيلم رمزي الراسي، ابن شيخ الأدب الشعبي اللبناني سلام الراسي، العمل باقتراح من مؤسسة التراث الدرزي بعد ٥ سنوات من الزيارات الميدانية لقرى راشيا وحاصبيا ومرجعيون، وتوثيق حوالى ٥٥ ساعة من الحوارات مع مثقفين ومؤرخين وأهالي المنطقة ومشاركتهم يومياتهم، كما التصوير في المواقع الأثرية. وإن كان مضطراً لحصر عمله بساعة من الزمن، إلا أن أجزاء أخرى قد تبصر النور لاحقاً كي لا يضيع هذا الإرث من ذاكرتنا. ويقول الراسي: "اختصرنا بساعة واحدة المقتطفات الأساسية، المعبّرة عن تاريخ وادي التيم وروح التعايش الوطني وشيم الوفاء لأهالي المنطقة بدون تمييز والعودة الى الأرض".
الفيلم الذي عُرض في مركز دار النمر الثقافية في كليمنصو، بحضور فعاليات ثقافية وأعلامية، سيجول على المناطق ويُعرض في قاعات عامة بشكل مجاني، كما يؤكد أكرم عربي، الذي رافق الراسي في العديد من زياراته الميدانية، مشيراً عبر موقع mtv أن هذا العمل يحمل كنزاً من الحب للوطن، كما يعكس تمسك المخرج بتاريخ والده الشاعر والأديب سلام الراسي، مؤكداً تمسّك مؤسسة التراث الدرزي ورئيسها خير الدين بالمحافظة على هذا الإرث الوطني الثمين".
ساعة ممتعة في رحاب وادي التيم وأهله وقراه وخلواته وكنائسه ومساجده وأطلال معابده، ومع عادات وتقاليد بعضها اندثر لكنها لا زالت تنبض في تلك الضياع، وتورَث من جيل الى جيل... وستبقى.