الرئاسة تتحرّك فجأة... وتنطفئ
نقولا ناصيف
4 أيلول 2024 06:51
كتب نقولا ناصيف في "الأخبار":
لا اسباب حسيّة ملموسة لبعث الروح في انتخاب رئيس للجمهورية شاع أخيراً سوى اثنين غير مجديين ولا يحييان الاستحقاق: اولهما السجال غير المباشر بين رئيس البرلمان نبيه برّي ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في مناسبتين دوريتين سنوياً تقاطعا فيها بتناول الاستحقاق الرئاسي والحوار كي يؤكدا ليس تمسّك كل منهما بشروطه فحسب، بل استمرار مأزق الشغور. ثانيهما استرخاء الداخل وتراجع استنفاره وتوتره ومخاوفه أياماً بعد رد حزب الله على اسرائيل في «يوم الاربعين» واعلان اكتفائه بهذا الرد على اغتيالها المسؤول العسكري فؤاد شكر ومن ثم عدم ردها على الرد واكتفاؤها، بدورها، بهذا الحد من المواجهة الاخيرة، وعودة الطرفين الى قواعد الاشتباك المعمول بها منذ ما بعد اندلاع «طوفان الاقصى». نجم الاسترخاء الداخلي والعودة الى الحياة الطبيعية عن التيقن من ان كلاً من حزب الله واسرائيل لا يريد حرباً واسعة. ما خلا هذين الدافعيْن، من غير المنطقي والطبيعي الاعتقاد بحدوث امر ما مستجدّ أخرج انتخاب الرئيس من كهفه. لا تملك الخماسية الدولية ما تعطيه لتحريك جدي للاستحقاق ولا اي من الافرقاء الداخليين حتماً، وليس ثمة اي اهتمام اقليمي او دولي من فوق الخماسية الدولية يتيح التفاؤل بتطور ما. في نهاية المطاف، لم يحتج ذلك التحريك سوى الى ايام قليلة كي تبين عدم جديته وينطفىء من دون ان يكون له أب.
السجال الدائر حالياً هو نفسه المتواصل منذ ما قبل مناسبتيْ 31 آب والاول من ايلول لمعضلة ستظل تراوح مكانها مع دخولها السنة الثالثة:
1 - يجزم حزب الله وأعاد برّي اخيراً تأكيد الموقف نفسه، وهو ان الثنائي الشيعي يفصل بين ما يجري في الجنوب وانتخاب رئيس للجمهورية، وعلى استعداد للتو للذهاب الى جلسة لمجلس النواب. يعزز الثنائي وجهة نظره بأن الشغور سابق لحرب غزة واشتعال جبهة الجنوب بـ11 شهراً ونصف شهر كان الانقسام يدور في المدة هذه من حول العقبات نفسها التي منعت ولا تزال التئام نصاب البرلمان لانتخاب الرئيس، منها الحوار المسبق عليه وكذلك هوية المرشحين.
2 - خياران لا ثالث لهما يفضيان الى انتخاب الرئيس في اي وقت: اولهما تفاهم اقليمي - دولي على فصل الرئاسة اللبنانية عن ملفات الاقليم وتالياً فرض انهاء الاستحقاق على الافرقاء بالقوة اقرب ما يكون الى تصويب المسدس الى صدوغهم، او باللين من خلال حقائب مغرية. تكون التسوية الداخلية عندئذ جزءاً لا يتجزأ من صفقة الانتخاب على نحو ما رافق اتفاق الدوحة عام 2008. كان انتخاب الرئيس البند الاول، أُلحقت به بنود ارضاء افرقاء النزاع بغية استتباب الاستقرار في الداخل. آنذاك استخدمت شتى عروض الاقناع والفرض. في ظل الانشغال الدولي والاقليمي بحرب غزة يبدو هذا الخيار مستعصياً في الوقت الحاضر على الاقل. الخيار الآخر لا يقل صعوبة ان لم يكن اكثر استحالة: رفض كلٍ من الفريقين الداخليين التخلي عن تصلبه وتمسكه بشروطه. ما يصح على المصرّ على حوار يسبق انتخاب الرئيس يصح ايضاً على المطالب بانتخاب رئيس يسبق اي حوار.
3 - لا تزال المشكلة الفعلية المانعة انتخاب الرئيس تدور من حول النصاب الموصوف الملزم لاجتماع مجلس النواب وهو الثلثان. من دون توافق عام يصعب توافره، ومن دونه يصعب كذلك انتخاب الرئيس. كلا الطرفيْن المتناحرين يلتقيان في الاستحقاق الحالي على التمسك بنصاب الثلثين الذي يمثّل عنصر قوة وضعف لكليهما في الوقت نفسه: تعذره يمنع انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه، الا انه يمنع فرض اي مرشح سواه. الحجة المعلنة لدى رئيس المجلس ان الحوار وحده يكفل الوصول الى النصاب الموصوف. ذلك ما يتحدث عنه برّي باستمرار وباصراره على مشاركة الافرقاء جميعاً في الحوار الذي يدعو اليه وخصوصاً حزب القوات اللبنانية. تالياًـ ما بات يُستشم مما يدلي به برّي تركيزه على نصاب الثلثين لعقد الجلسة لا على المرشح الذي يدعمه وحزب الله، وهو فرنجية، وكان اول مَن رشحه علناً.
ما يقوله رئيس المجلس امام زواره ان تيقنه من توافر نصاب الثلثين يحمله كرئيس للبرلمان ويدخل في صلب مسؤولياته الدستورية على تحديد موعد لجلسة الانتخاب. يذكّر بما فعل عشية انتخاب الرئيس ميشال عون عام 2016. ما ان توافر نصاب الثلثين للجلسة بانضمام الرئيس سعد الحريري بعد حزب القوات اللبنانية بعد حزب الله الى ترشيحه، حدد موعد 31 تشرين الاول عامذاك. قبل الوصول الى الجلسة تلك، اخبر عون انه سيحدد موعدها لانتخابه المؤكد لكنه لن يقترع وكتلته له. وهو ما حصل.
ما يقطع به برّي انه يحدد الموعد ما ان يتيقن من نصاب الثلثين بحوار او من دونه، مع اعتقاده الدائم بأن لا ثلثان بلا حوار بشهادتيْ استحقاقيْ 2008 و2016. لولا الحوارات المجراة آنذاك علناً وسراً لما انجزا. ذلك ايضاً ما سيحدث كي ينتخب رئيس للجمهورية في ظل معطيات مضافة الى ما رافق حواريْ 2008 و2016، هي تداعيات ما اضحت عليه البلاد منذ عام 2019.
لا اسباب حسيّة ملموسة لبعث الروح في انتخاب رئيس للجمهورية شاع أخيراً سوى اثنين غير مجديين ولا يحييان الاستحقاق: اولهما السجال غير المباشر بين رئيس البرلمان نبيه برّي ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في مناسبتين دوريتين سنوياً تقاطعا فيها بتناول الاستحقاق الرئاسي والحوار كي يؤكدا ليس تمسّك كل منهما بشروطه فحسب، بل استمرار مأزق الشغور. ثانيهما استرخاء الداخل وتراجع استنفاره وتوتره ومخاوفه أياماً بعد رد حزب الله على اسرائيل في «يوم الاربعين» واعلان اكتفائه بهذا الرد على اغتيالها المسؤول العسكري فؤاد شكر ومن ثم عدم ردها على الرد واكتفاؤها، بدورها، بهذا الحد من المواجهة الاخيرة، وعودة الطرفين الى قواعد الاشتباك المعمول بها منذ ما بعد اندلاع «طوفان الاقصى». نجم الاسترخاء الداخلي والعودة الى الحياة الطبيعية عن التيقن من ان كلاً من حزب الله واسرائيل لا يريد حرباً واسعة. ما خلا هذين الدافعيْن، من غير المنطقي والطبيعي الاعتقاد بحدوث امر ما مستجدّ أخرج انتخاب الرئيس من كهفه. لا تملك الخماسية الدولية ما تعطيه لتحريك جدي للاستحقاق ولا اي من الافرقاء الداخليين حتماً، وليس ثمة اي اهتمام اقليمي او دولي من فوق الخماسية الدولية يتيح التفاؤل بتطور ما. في نهاية المطاف، لم يحتج ذلك التحريك سوى الى ايام قليلة كي تبين عدم جديته وينطفىء من دون ان يكون له أب.
السجال الدائر حالياً هو نفسه المتواصل منذ ما قبل مناسبتيْ 31 آب والاول من ايلول لمعضلة ستظل تراوح مكانها مع دخولها السنة الثالثة:
1 - يجزم حزب الله وأعاد برّي اخيراً تأكيد الموقف نفسه، وهو ان الثنائي الشيعي يفصل بين ما يجري في الجنوب وانتخاب رئيس للجمهورية، وعلى استعداد للتو للذهاب الى جلسة لمجلس النواب. يعزز الثنائي وجهة نظره بأن الشغور سابق لحرب غزة واشتعال جبهة الجنوب بـ11 شهراً ونصف شهر كان الانقسام يدور في المدة هذه من حول العقبات نفسها التي منعت ولا تزال التئام نصاب البرلمان لانتخاب الرئيس، منها الحوار المسبق عليه وكذلك هوية المرشحين.
2 - خياران لا ثالث لهما يفضيان الى انتخاب الرئيس في اي وقت: اولهما تفاهم اقليمي - دولي على فصل الرئاسة اللبنانية عن ملفات الاقليم وتالياً فرض انهاء الاستحقاق على الافرقاء بالقوة اقرب ما يكون الى تصويب المسدس الى صدوغهم، او باللين من خلال حقائب مغرية. تكون التسوية الداخلية عندئذ جزءاً لا يتجزأ من صفقة الانتخاب على نحو ما رافق اتفاق الدوحة عام 2008. كان انتخاب الرئيس البند الاول، أُلحقت به بنود ارضاء افرقاء النزاع بغية استتباب الاستقرار في الداخل. آنذاك استخدمت شتى عروض الاقناع والفرض. في ظل الانشغال الدولي والاقليمي بحرب غزة يبدو هذا الخيار مستعصياً في الوقت الحاضر على الاقل. الخيار الآخر لا يقل صعوبة ان لم يكن اكثر استحالة: رفض كلٍ من الفريقين الداخليين التخلي عن تصلبه وتمسكه بشروطه. ما يصح على المصرّ على حوار يسبق انتخاب الرئيس يصح ايضاً على المطالب بانتخاب رئيس يسبق اي حوار.
3 - لا تزال المشكلة الفعلية المانعة انتخاب الرئيس تدور من حول النصاب الموصوف الملزم لاجتماع مجلس النواب وهو الثلثان. من دون توافق عام يصعب توافره، ومن دونه يصعب كذلك انتخاب الرئيس. كلا الطرفيْن المتناحرين يلتقيان في الاستحقاق الحالي على التمسك بنصاب الثلثين الذي يمثّل عنصر قوة وضعف لكليهما في الوقت نفسه: تعذره يمنع انتخاب رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه، الا انه يمنع فرض اي مرشح سواه. الحجة المعلنة لدى رئيس المجلس ان الحوار وحده يكفل الوصول الى النصاب الموصوف. ذلك ما يتحدث عنه برّي باستمرار وباصراره على مشاركة الافرقاء جميعاً في الحوار الذي يدعو اليه وخصوصاً حزب القوات اللبنانية. تالياًـ ما بات يُستشم مما يدلي به برّي تركيزه على نصاب الثلثين لعقد الجلسة لا على المرشح الذي يدعمه وحزب الله، وهو فرنجية، وكان اول مَن رشحه علناً.
ما يقوله رئيس المجلس امام زواره ان تيقنه من توافر نصاب الثلثين يحمله كرئيس للبرلمان ويدخل في صلب مسؤولياته الدستورية على تحديد موعد لجلسة الانتخاب. يذكّر بما فعل عشية انتخاب الرئيس ميشال عون عام 2016. ما ان توافر نصاب الثلثين للجلسة بانضمام الرئيس سعد الحريري بعد حزب القوات اللبنانية بعد حزب الله الى ترشيحه، حدد موعد 31 تشرين الاول عامذاك. قبل الوصول الى الجلسة تلك، اخبر عون انه سيحدد موعدها لانتخابه المؤكد لكنه لن يقترع وكتلته له. وهو ما حصل.
ما يقطع به برّي انه يحدد الموعد ما ان يتيقن من نصاب الثلثين بحوار او من دونه، مع اعتقاده الدائم بأن لا ثلثان بلا حوار بشهادتيْ استحقاقيْ 2008 و2016. لولا الحوارات المجراة آنذاك علناً وسراً لما انجزا. ذلك ايضاً ما سيحدث كي ينتخب رئيس للجمهورية في ظل معطيات مضافة الى ما رافق حواريْ 2008 و2016، هي تداعيات ما اضحت عليه البلاد منذ عام 2019.