ساعة وعشرون دقيقة حرب
داني حداد
31 آب 2024 06:14
كتب داني حداد في موقع mtv:
عليك أن تخلع عنك، حين تدخل الى مسرح كازينو لبنان، ما قرأته وسمعته عن "خيال صحرا". أُدخل بلا أحكامٍ مسبقة. بالنسبة إليّ، دعوات المقاطعة كانت حافزاً إضافيّاً لمشاهدة مدّتها ساعةً وعشرين دقيقة.
تُطفأ الأنوار لتتركّز الإضاءة على المسرح. لو بقيت الأنوار مضاءة لشاهدنا ردّات أفعالٍ مختلفة على وجوه الحاضرين. يندر، في المسرح، أن ينعجن الضحك بالدموع.
جورج خباز، الكاتب والمخرج والممثّل، وعادل كرم، الممثّل، ينقلاننا الى خطّ التماس. تماسٌ بين بلدَين، تشعر لوهلةٍ في المسرحيّة، ثمّ تجده يتوحّد، فجأة. المصيبة تجمع. الحرب أكبر المصائب، تعيدنا المسرحيّة الى يوميّاتها، من خلال معاناة مقاتلَين، يقتلان الآخرين لنستنتج، ختاماً، بأنّهما في طليعة المقتولين.
أستذكر، في بداية الحرب، حين تداعى زعماء ميليشيات في غربي بيروت الى اجتماعٍ، فدخل عليهم رئيس الحكومة الراحل تقي الدين الصلح. واجهه حينها إبراهيم قليلات بالقول: ماذا تفعل هنا، هو اجتماعٌ للمقاتلين؟ فأجابه الصلح: جئت أمثّل المقتولين.
يكون القاتل والقتيل واحداً في أحيانٍ كثيرة. جميعنا ضحايا في الحرب، وأوّلنا من يحمل بندقيّته ويقبض على الزناد متحكّماً بحياة الآخرين، بحركة إصبع.
عالَجَ خباز هذه المسائل كلّها. الكيمياء واضحة مع كرم، والإثنان كريمان في إضحاكنا. لكنّه ضحكٌ أكثر نضوجاً من سائر مسرحيّات جورج خباز السابقة، كأنّها نقلة الى الأمام لفنّانٍ شامل، ولو استخدمنا تعبيراً بات مستهلكاً. تبدأ الشموليّة من الموسيقى، وهي، في بداية المسرحيّة، كمكتوبٍ يُقرأ من عنوانه. تدرك معها، ومع "جينريك" البداية، وهذه فكرة جميلة، بأنّ ما ستشاهده ليس عملاً عابراً. هو عملٌ يحفر فيك، تخرج بعده متعباً، كخارجٍ من عمليّة جراحيّة…
من يشفينا من هذه الحرب التي تلاحقنا ككابوس، كما تلاحق صور الضحايا قاتليهم؟ من يقول للشباب، من أصحاب الرؤوس الحامية، إنّ الحرب بشعة، فحذارِ الانجرار إليها؟
قالها جورج وعادل، على طريقتهما. قالاها بالنصّ والصورة والرقص. قالاها بالغصّة والصمت وتعابير الوجه. قالاها حين استخدما عبارة "عِشرة عمر" لتوصيف ما يجمعهما، وهما ارتديا الملابس نفسها، على الرغم من الفوارق الشاسعة في انتماءاتهما وخياراتهما، والتسمية كانت لتصلح أيضاً عنواناً للمسرحيّة.
"عِشرة عمر" فلماذا انتهينا في هذا الوطن المخلّع الى ما نحن عليه؟ كلّ حربٍ يمكن تجنّبها. كلّ حربٍ قذرة، ما دام فيها موتٌ وأمّهات تبكي وأيتامٌ وخيبات…
سلامٌ الى جورج خباز وعادل كرم. تستحقّان حضوراً لا مقاطعة. كلّ مقاطعة ضعف. تستحقّان تصفيقاً وأنتما ترقصان فوق خشبةٍ ابتلّت بعرقكما لتقدّما إلى جمهوركما ما يستأهل الاحترام. وسلامٌ الى المنتج طارق كرم، المتنقّل في الصالة راصداً ردود أفعال المتابعين.
عسانا نتعلّم ألا نكون، حرباً وسلماً، "خيال صحرا".
عليك أن تخلع عنك، حين تدخل الى مسرح كازينو لبنان، ما قرأته وسمعته عن "خيال صحرا". أُدخل بلا أحكامٍ مسبقة. بالنسبة إليّ، دعوات المقاطعة كانت حافزاً إضافيّاً لمشاهدة مدّتها ساعةً وعشرين دقيقة.
تُطفأ الأنوار لتتركّز الإضاءة على المسرح. لو بقيت الأنوار مضاءة لشاهدنا ردّات أفعالٍ مختلفة على وجوه الحاضرين. يندر، في المسرح، أن ينعجن الضحك بالدموع.
جورج خباز، الكاتب والمخرج والممثّل، وعادل كرم، الممثّل، ينقلاننا الى خطّ التماس. تماسٌ بين بلدَين، تشعر لوهلةٍ في المسرحيّة، ثمّ تجده يتوحّد، فجأة. المصيبة تجمع. الحرب أكبر المصائب، تعيدنا المسرحيّة الى يوميّاتها، من خلال معاناة مقاتلَين، يقتلان الآخرين لنستنتج، ختاماً، بأنّهما في طليعة المقتولين.
أستذكر، في بداية الحرب، حين تداعى زعماء ميليشيات في غربي بيروت الى اجتماعٍ، فدخل عليهم رئيس الحكومة الراحل تقي الدين الصلح. واجهه حينها إبراهيم قليلات بالقول: ماذا تفعل هنا، هو اجتماعٌ للمقاتلين؟ فأجابه الصلح: جئت أمثّل المقتولين.
يكون القاتل والقتيل واحداً في أحيانٍ كثيرة. جميعنا ضحايا في الحرب، وأوّلنا من يحمل بندقيّته ويقبض على الزناد متحكّماً بحياة الآخرين، بحركة إصبع.
عالَجَ خباز هذه المسائل كلّها. الكيمياء واضحة مع كرم، والإثنان كريمان في إضحاكنا. لكنّه ضحكٌ أكثر نضوجاً من سائر مسرحيّات جورج خباز السابقة، كأنّها نقلة الى الأمام لفنّانٍ شامل، ولو استخدمنا تعبيراً بات مستهلكاً. تبدأ الشموليّة من الموسيقى، وهي، في بداية المسرحيّة، كمكتوبٍ يُقرأ من عنوانه. تدرك معها، ومع "جينريك" البداية، وهذه فكرة جميلة، بأنّ ما ستشاهده ليس عملاً عابراً. هو عملٌ يحفر فيك، تخرج بعده متعباً، كخارجٍ من عمليّة جراحيّة…
من يشفينا من هذه الحرب التي تلاحقنا ككابوس، كما تلاحق صور الضحايا قاتليهم؟ من يقول للشباب، من أصحاب الرؤوس الحامية، إنّ الحرب بشعة، فحذارِ الانجرار إليها؟
قالها جورج وعادل، على طريقتهما. قالاها بالنصّ والصورة والرقص. قالاها بالغصّة والصمت وتعابير الوجه. قالاها حين استخدما عبارة "عِشرة عمر" لتوصيف ما يجمعهما، وهما ارتديا الملابس نفسها، على الرغم من الفوارق الشاسعة في انتماءاتهما وخياراتهما، والتسمية كانت لتصلح أيضاً عنواناً للمسرحيّة.
"عِشرة عمر" فلماذا انتهينا في هذا الوطن المخلّع الى ما نحن عليه؟ كلّ حربٍ يمكن تجنّبها. كلّ حربٍ قذرة، ما دام فيها موتٌ وأمّهات تبكي وأيتامٌ وخيبات…
سلامٌ الى جورج خباز وعادل كرم. تستحقّان حضوراً لا مقاطعة. كلّ مقاطعة ضعف. تستحقّان تصفيقاً وأنتما ترقصان فوق خشبةٍ ابتلّت بعرقكما لتقدّما إلى جمهوركما ما يستأهل الاحترام. وسلامٌ الى المنتج طارق كرم، المتنقّل في الصالة راصداً ردود أفعال المتابعين.
عسانا نتعلّم ألا نكون، حرباً وسلماً، "خيال صحرا".