آلان ديلون... محطات في حياة أسطورة هزمها المرض!
19 آب 2024 10:32
"لا أخاف الموت، بل أفكر في الحياة"، واحدة من أشهر اقتباسات أسطورة الفن الفرنسي آلان ديلون، الذي فارق الحياة، الأحد، عن عُمر ناهز الـ 88 عاماً، كلمات تبدو مُتناقضة من الوهلة الأولى، لكنها تحمل بين طياتها سمات رجل عاش مُحباً للحياة، وأراد الذهاب إلى الموت بقدميه.
في كانون الثاني عام 2018، خلال الاحتفال بمرور 50 عاماً على مسيرته الفنية، خرج ديلون بتصريحات غير مألوفة، عبّر من خلالها عن رغبته في مغادرة هذا العالم الذي وصفه بـ "الفاسد"، وتمنى الموت برفقة "كلبه"، الذي وأصى بحقنه ليموت معه.
مات ديلون بينما عاش كلبه "لوبو" الذي أوصى برفقته في مماته، حينما أراد اختصار الطريق إلى العالم الآخر بإنهاء حياته طواعية في رحلة "الموت الرحيم" إلى سويسرا، هروباً من آلام المرض، التي باتت تُلازمه في أيامه الأخيرة.
داهم المرض جسد ديلون مع وصوله إلى أرذل العُمر، تحولات مفاجئة أنهكت جسده عام 2019، هاجمته جلطة دماغية مزدوجة، عانى منها كثيراً، وقبلها بخمسة أعوام عذبه عدم انتظام ضربات القلب، ربما نتيجة خضوعه في 2012 لعملية جراحية، كادت تكلفه حياته.
نهاية أيلول عام 2021، وقف ديلون، مُستنداً إلى عصاه في جنازة صديقه المُقرب جان بلموندو، الذي ناهز حينها الـ 88، ليعترف بقوله: "لقد كُنا، هو وأنا، أيقونتي السينما الفرنسية، ولا يمكنك أن تذكر أحدنا دون الآخر".
"نحن في السن ذاته تقريباً، ولن يمر وقت طويل إلا وسألحق به"، قالها ديلون الحزين، الذي بدت على وجهه علامات اليأس والخوف من المرض ليرحل في العمر ذاته، وقبل أيام قليلة من ذكرى وفاة صديق عُمره.
قبل أن يهاجمه المرض وتهزمه الحياة، عاش ديلون شبابه مُقرباً من النساء يحبهم ويحبونه، مُعترفاً في مُقدمة كتاب يُلخص سيرته ومسيرته نسيان من العام الماضي 2023، أنه أراد أن يكون "الأفضل والأجمل والأقوى" في نظر النساء اللواتي عرفهنّ طوال حياته.
"لقد دفعني الحبّ دائماً إلى تجاوز نفسي"... تصدرت كلمات ديون صفحات كتابه الأولى، فهو الرجل الذي لم يحلم يوماً بأن يكون ممثلاً، بل دخل المهنة وواصل التمثيل "من أجل النساء".
كانت لنساء ديلون مكانة خاصة في حياته، عشق "نتالي"، المرأة الوحيدة التي حملت اسمه وأنجبت ابنه، و"ميراي دارك" صديقته الأكثر قرباً إليه، بجانبهما فقد ارتبط الفنان الفرنسي بـ بريجيت أوبر، التي وصف علاقتهما بالودودة طوال 65 عاماً. كما عرف ميشيل كوردو، ورومي شنايدر، وروزالي فان بريمن.
وحملت صفحات كتاب سيرته الذاتية أسراراً للمرة الأولى عن قصة حبه بالمُطربة داليدا التي تعرف إليها عام 1956، حين كانت تجاوره في أحد الفنادق في باريس.
لم يكن آلان ديلون يهول حينما وصف نفسه بـ "صانع السينما الفرنسية"، فقد عاش حياة حافلة مليئة بالأعمال التي سطرت تاريخ الفن والسينما هُناك، إلا أن نجمه قد بزغ للوهلة الأولى في فيلميه (روكو وإخوانه) الصادر عام 1960، و"النمر" عام 1963، للمخرج الإيطالي لوكينو فيسكونتي.
يُتقن آلان عمله جيداً، ويعي ما يفعل، ولم يكن كاذباً حينما قال جملته الشهيرة "أنا أتقن 3 أشياء: عملي، وغبائي، وأطفالي".
لعب آلان، دور البطولة إلى جانب الممثل الفرنسي المخضرم جان جابين في فيلم "رقم يمكنه الفوز" عام 1963، وحقق نجاحاً باهراً بفيلمه "الابن الروحي" عام 1967، و"أرسل امرأة عندما يخفق الشيطان" في عام 1975، وأصبح نجماً في فرنسا وحظي بالإعجاب الشديد من الرجال والنساء في أماكن أخرى من العالم، فقد عشقه اليابانيون، وإن لم يجد التقدير المستحق في هوليوود.
حصد آلان، جائزة الدب الذهبي الفخرية في مهرجان برلين عام 1995، كما كرمه مهرجان القاهرة السينما الدولي عام 1999، ومنحه مهرجان كان السينمائي الدولي، جائزة السعفة الذهبية الفخرية عام 2019، وترشح لجائزة "جولدن جلوب" مرة واحدة عام 1964، وفاز بجائزة سيزار لأفضل ممثل عام 1985.
في حياته، عرُف ديلون بمواقفه المثيرة للجدل خارج الفن، من رفض إلغاء عقوبة الإعدام إلى استنكار زواج المثليين، الذي قننته فرنسا في بداية العقد الماضي، وصولاً إلى الدفاع عن اليمين المُتطرف، إلا أنه عاش حياته كما أرادها.
ولد ديلون في ضاحية على مشارف باريس في الثامن من تشرين الثاني عام 1935، وبدأ حياته منذ الرابعة من عُمره في دار للرعاية بعد انفصال والديه، وشغل الكثير من الأعمال البعيدة عن التمثيل، لكنه دخلها من دون تخطيط لذلك، كما قال.
يُسدل الستار على آخر فصول حياة آلان، ليُدفن في قلعة تعود إلى القرن التاسع عشر الميلادي إلى جانب العشرات من كلابه التي دفنت في مقبرة القصر، الواقع في قرية جاتينايس الصغيرة التي عاش فيها قديماً، تنفيذاً لوصيته الأخيرة.
بينما توالت بيانات النعي من مهرجانات السينما العالمية، التي وصفته بـ "أحد أيقونات السينما العالمية" بعد ستين عاماً من العطاء قدم خلالها عشرات الأدوار الخالدة والملهمة، مثلما وصفه الفنان حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السينمائي.