لبنان يتغاضى عن التحذيرات الأميركية
هيام القصيفي
7 آب 2024 07:45
كتبت هيام القصيفي في "الأخبار":
بين تطمينات غير فعلية وتحذيرات فعلية، يضيق هامش ما يُنقل عن الأميركيين من أن إسرائيل جادّة في ما قد تقدم عليه. المفارقة أنه بين اعتماد القنوات الأميركية للتفاوض اللاحق والقفز فوق التحذيرات، يتجه الوضع إلى توقّع الأسوأ.
منذ ما قبل تنفيذ إسرائيل عمليتَي الاغتيال في الضاحية الجنوبية وطهران، تسود في لبنان انطباعات في غير محلها عن الموقف الأميركي والتقديرات حول مستقبل النظرة الإسرائيلية وخلفها واشنطن إلى وضع حزب الله. في الأشهر الأخيرة حاولت واشنطن، بحسب مطّلعين على تحركاتها في بيروت والنقاشات داخل الإدارة الأميركية، تحييد لبنان عن أي مفاعيل يمكن أن تسقطها إسرائيل على الساحة اللبنانية. ظل الترسيم البحري واجهة أولى ترسم حداً فاصلاً بين نظريتين، الأولى تقول إن حزب الله قادر في لحظة التسوية على صياغة ترتيب ميداني يضمن أمن الجنوب وشمال إسرائيل، وثانية تقول إن الفرصة سانحة مع اندلاع حرب غزة ووقوف حزب الله إلى جانب حماس في حرب مساندة مفتوحة، لشلّ الحزب آنياً ومستقبلياً. وكان بعض الأوروبيين منحازاً إلى الخيار الأول، وفُسرت علاقة دول وأجهزة استخبارات أوروبية بحزب الله لبنانياً بأن ما يُحضّر لغزة لن يصل بالضرورة إلى حزب الله ولبنان، إلا بالمعنى الضيق المُحتسب بدقّة.
الانطباع الخاطئ الذي تعمّم في الأسابيع الأخيرة بأن الخيار الأول هو المُرجّح، لم يأخذ في الاعتبار أن ما يُناقش أميركياً أصبح أكثر وضوحاً كقرار عسكري وأمني وسياسي كما ظهر في الأيام القليلة الماضية، مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن. وكذلك كان لا بد للنقاش الأميركي أن يتطور مع إسرائيل إلى الحد الذي يجعل الخيار الثاني أكثر قابلية للتطبيق، مهما كان الاختلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين في العلاقة مع نتنياهو.
مفارقة التعامل في لبنان مع التطورات منذ حادثة مجدل شمس، الذهاب بعيداً في تصوير الانتخابات الأميركية عائقاً أمام محاولة إسرائيل فرض إيقاعها على الإدارة الراحلة أو المقبلة، وفي عدم التقاط الإشارات المباشرة والرسائل التي وُجّهت عبر دول في المنطقة، بأن إسرائيل تتصرف على أنها قادرة على سحب واشنطن إلى حيث تريد وليس العكس. ورغم أن رسائل واشنطن تجاه لبنان لتحييده صحيحة بالكامل، لكنها في الوقت نفسه دأبت على التذكير بأن لإسرائيل وجهة نظر مغايرة تماماً، تتعلق بالنظرة المستقبلية إلى أمنها من خلال ما حصل في غزة وتدريجاً على حدودها الشمالية.
هذا كله يؤدي إلى أن ردة الفعل الإسرائيلية على حدث مجدل شمس، صبّت في الإطار الذي كان يُنقل إسرائيلياً وأميركياً إلى لبنان. لذا جاءت موجة التطمينات الأخيرة محلية أكثر منها أميركية، ومفتعلة بالقدر الذي يرسم المشهد اللبناني على أنه لا يزال قبل 7 تشرين الأول، علماً أن الأميركيين أنفسهم أبلغوا بوضوح عن صعوبة تقبّل إسرائيل جنوب لبنان كما كان قبل 7 تشرين، لكن الترجمة اللبنانية جاءت مخفّفة رغم وضوح التحذيرات الأميركية بعدم تراجع إسرائيل وبوقوف واشنطن إلى جانبها كما حصل منذ تشرين الأول.
في كل ذلك، يمكن قراءة مرحلة ما بعد العملية الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية، واحتمالات توسّع الردود والضربات وصولاً إلى الحرب الموسّعة من دون تحديد مواعيد لها، من منظار أميركي استناداً إلى ما تعتمده تل أبيب. بخلاف الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية، استفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن من حشد أجهزة عسكرية ودوائر الأمن والاستخبارات وراء فكرة الردّ المزدوج، وتبعاً لذلك تساوى في وجهة نظر إسرائيل أي رد إيراني أو من جانب حزب الله، على العمليتين الإسرائيليتين، بمعنى أن إسرائيل هي التي تريد وضع خطوط حمر لما يمكن أن تتعرض له، وليس لما يمكن أن تقوم به. فما تقوم به أسقط هذه الخطوط، وهي تتّكئ على أن حجم الاعتراض في المنطقة على ما تفتعله أو تردّ به محدود. ثمة دول تدخل في منظومة الأمن الأميركية في المنطقة ومحسوم تالياً موقفها إلى جانب واشنطن وإسرائيل، ودول تتفرج، وأخرى تنأى بنفسها عن الوضع اللبناني، وهو ما يصبّ في مصلحة رغبة إسرائيل في الذهاب بعيداً في تصعيدها ضد حزب الله. أي إن مشهد ما حصل في حرب تموز، عربياً ودولياً، لن يتكرر اليوم، وحتى داخلياً. وهنا ثمة مفارقات تتعلق باحتساب دقيق، وسط موجة التصعيد والضغط الدولي على لبنان، عبر خطوات عملانية، وليس فقط ما أثير حول المطار والرحلات الجوية، حول حقيقة الموقف الداخلي من أي دخول للحزب في حرب موسّعة. وهنا توضع الحسابات لدى حزب الله في رؤيته لما يمكن أن يواجه به داخلياً، في ظل ردة الفعل المعارضة له من القوى السياسية والطائفية. صحيح أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط تصرّف بحكمة بعد مجدل شمس، لكن الصحيح كذلك أن خطوته منفردة عن أي عمل يتعلق بتوسيع الحرب، وقاعدته معارضة لذلك، كما القاعدة السنية والمسيحية. ومهما كان اتجاه بعض القواعد السنية في التماهي مع غزة وجرى التعبير عن ذلك في بعض الساحات المحلية، إلا أن توسّع الحرب مع حزب الله تحديداً يأخذ منحى مختلفاً. كذلك الأمر بالنسبة إلى القوى المسيحية المعروف موقفها كمعارضة للحزب. أما الحلفاء وتحديداً التيار الوطني الحر فوضعيته الحالية مختلفة عما كان عليه الأمر في حرب تموز، وإن كانت هناك دوائر قيادية ودينية مقرّبة من التيار تقف موقفاً لا لبس فيه إلى جانب حزب الله. وهذه حسابات داخلية يدرسها من يُعنى بإدارة المعركة في حال توسّعها وكيفية التعامل معها إذا توسّعت العمليات العسكرية. ويضاف ذلك إلى درس دقيق لكل الخيارات المتعلقة بوضع المنطقة بشكل عام تحت وطأة ارتفاع مستوى المخاطر بين إسرائيل وإيران.
بين تطمينات غير فعلية وتحذيرات فعلية، يضيق هامش ما يُنقل عن الأميركيين من أن إسرائيل جادّة في ما قد تقدم عليه. المفارقة أنه بين اعتماد القنوات الأميركية للتفاوض اللاحق والقفز فوق التحذيرات، يتجه الوضع إلى توقّع الأسوأ.
منذ ما قبل تنفيذ إسرائيل عمليتَي الاغتيال في الضاحية الجنوبية وطهران، تسود في لبنان انطباعات في غير محلها عن الموقف الأميركي والتقديرات حول مستقبل النظرة الإسرائيلية وخلفها واشنطن إلى وضع حزب الله. في الأشهر الأخيرة حاولت واشنطن، بحسب مطّلعين على تحركاتها في بيروت والنقاشات داخل الإدارة الأميركية، تحييد لبنان عن أي مفاعيل يمكن أن تسقطها إسرائيل على الساحة اللبنانية. ظل الترسيم البحري واجهة أولى ترسم حداً فاصلاً بين نظريتين، الأولى تقول إن حزب الله قادر في لحظة التسوية على صياغة ترتيب ميداني يضمن أمن الجنوب وشمال إسرائيل، وثانية تقول إن الفرصة سانحة مع اندلاع حرب غزة ووقوف حزب الله إلى جانب حماس في حرب مساندة مفتوحة، لشلّ الحزب آنياً ومستقبلياً. وكان بعض الأوروبيين منحازاً إلى الخيار الأول، وفُسرت علاقة دول وأجهزة استخبارات أوروبية بحزب الله لبنانياً بأن ما يُحضّر لغزة لن يصل بالضرورة إلى حزب الله ولبنان، إلا بالمعنى الضيق المُحتسب بدقّة.
الانطباع الخاطئ الذي تعمّم في الأسابيع الأخيرة بأن الخيار الأول هو المُرجّح، لم يأخذ في الاعتبار أن ما يُناقش أميركياً أصبح أكثر وضوحاً كقرار عسكري وأمني وسياسي كما ظهر في الأيام القليلة الماضية، مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن. وكذلك كان لا بد للنقاش الأميركي أن يتطور مع إسرائيل إلى الحد الذي يجعل الخيار الثاني أكثر قابلية للتطبيق، مهما كان الاختلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين في العلاقة مع نتنياهو.
مفارقة التعامل في لبنان مع التطورات منذ حادثة مجدل شمس، الذهاب بعيداً في تصوير الانتخابات الأميركية عائقاً أمام محاولة إسرائيل فرض إيقاعها على الإدارة الراحلة أو المقبلة، وفي عدم التقاط الإشارات المباشرة والرسائل التي وُجّهت عبر دول في المنطقة، بأن إسرائيل تتصرف على أنها قادرة على سحب واشنطن إلى حيث تريد وليس العكس. ورغم أن رسائل واشنطن تجاه لبنان لتحييده صحيحة بالكامل، لكنها في الوقت نفسه دأبت على التذكير بأن لإسرائيل وجهة نظر مغايرة تماماً، تتعلق بالنظرة المستقبلية إلى أمنها من خلال ما حصل في غزة وتدريجاً على حدودها الشمالية.
هذا كله يؤدي إلى أن ردة الفعل الإسرائيلية على حدث مجدل شمس، صبّت في الإطار الذي كان يُنقل إسرائيلياً وأميركياً إلى لبنان. لذا جاءت موجة التطمينات الأخيرة محلية أكثر منها أميركية، ومفتعلة بالقدر الذي يرسم المشهد اللبناني على أنه لا يزال قبل 7 تشرين الأول، علماً أن الأميركيين أنفسهم أبلغوا بوضوح عن صعوبة تقبّل إسرائيل جنوب لبنان كما كان قبل 7 تشرين، لكن الترجمة اللبنانية جاءت مخفّفة رغم وضوح التحذيرات الأميركية بعدم تراجع إسرائيل وبوقوف واشنطن إلى جانبها كما حصل منذ تشرين الأول.
في كل ذلك، يمكن قراءة مرحلة ما بعد العملية الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية، واحتمالات توسّع الردود والضربات وصولاً إلى الحرب الموسّعة من دون تحديد مواعيد لها، من منظار أميركي استناداً إلى ما تعتمده تل أبيب. بخلاف الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية، استفاد رئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن من حشد أجهزة عسكرية ودوائر الأمن والاستخبارات وراء فكرة الردّ المزدوج، وتبعاً لذلك تساوى في وجهة نظر إسرائيل أي رد إيراني أو من جانب حزب الله، على العمليتين الإسرائيليتين، بمعنى أن إسرائيل هي التي تريد وضع خطوط حمر لما يمكن أن تتعرض له، وليس لما يمكن أن تقوم به. فما تقوم به أسقط هذه الخطوط، وهي تتّكئ على أن حجم الاعتراض في المنطقة على ما تفتعله أو تردّ به محدود. ثمة دول تدخل في منظومة الأمن الأميركية في المنطقة ومحسوم تالياً موقفها إلى جانب واشنطن وإسرائيل، ودول تتفرج، وأخرى تنأى بنفسها عن الوضع اللبناني، وهو ما يصبّ في مصلحة رغبة إسرائيل في الذهاب بعيداً في تصعيدها ضد حزب الله. أي إن مشهد ما حصل في حرب تموز، عربياً ودولياً، لن يتكرر اليوم، وحتى داخلياً. وهنا ثمة مفارقات تتعلق باحتساب دقيق، وسط موجة التصعيد والضغط الدولي على لبنان، عبر خطوات عملانية، وليس فقط ما أثير حول المطار والرحلات الجوية، حول حقيقة الموقف الداخلي من أي دخول للحزب في حرب موسّعة. وهنا توضع الحسابات لدى حزب الله في رؤيته لما يمكن أن يواجه به داخلياً، في ظل ردة الفعل المعارضة له من القوى السياسية والطائفية. صحيح أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط تصرّف بحكمة بعد مجدل شمس، لكن الصحيح كذلك أن خطوته منفردة عن أي عمل يتعلق بتوسيع الحرب، وقاعدته معارضة لذلك، كما القاعدة السنية والمسيحية. ومهما كان اتجاه بعض القواعد السنية في التماهي مع غزة وجرى التعبير عن ذلك في بعض الساحات المحلية، إلا أن توسّع الحرب مع حزب الله تحديداً يأخذ منحى مختلفاً. كذلك الأمر بالنسبة إلى القوى المسيحية المعروف موقفها كمعارضة للحزب. أما الحلفاء وتحديداً التيار الوطني الحر فوضعيته الحالية مختلفة عما كان عليه الأمر في حرب تموز، وإن كانت هناك دوائر قيادية ودينية مقرّبة من التيار تقف موقفاً لا لبس فيه إلى جانب حزب الله. وهذه حسابات داخلية يدرسها من يُعنى بإدارة المعركة في حال توسّعها وكيفية التعامل معها إذا توسّعت العمليات العسكرية. ويضاف ذلك إلى درس دقيق لكل الخيارات المتعلقة بوضع المنطقة بشكل عام تحت وطأة ارتفاع مستوى المخاطر بين إسرائيل وإيران.