العبسي ترأس صلاة الغروب في عيد التجلي في دير المخلّص - صربا
6 آب 2024 11:25
ترأس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي صلاة الغروب لمناسبة عيد التجلي، في دير المخلص - صربا التابع للرهبانية الباسيلية الحلبية، وذلك خلال زيارته الرعوية لمناسبة ذكرى اليوبيل ال ٣٠٠ للشركة مع الكرسي الرسولي.
وشدد خلال كلمة القاها على "ضرورة احياء هذه الذكرى بالصلاة والتأمل"،وقال:"فرحت لما قيل لي لنذهب إلى بيت الرب. بهذا الفرح آتي إليكم أيها الأحباء، فرح من يأتي إلى بيت للرب ودير عتيق يفوح منه عرف قداسة ويرى فيه نور من السماء. وقد زاد فرحي فرحا ما رأيته في هذا المساء، المزيج الجميل من نور التجلي وترانيم العيد وإيقونات الكنيسة وأثواب الرهبان ومن حضوركم أنتم أيها الأحباء. فالشكر الجزيل على الدعوة الكريمة وعلى الاستقبال البنوي وعلى غروب العيد التي صليناها وعلى محبتكم".
تابع: "من يدخل دير المخلص يشعر بأنه ينتقل من مكان إلى مكان، من عالم الأرض إلى عالم الملكوت، فلا يتمالك عن الإنشاد (ما أحب مساكنك يا رب الأكوان). إنه بهذا يمتاز الدير عن باقي المطارح، يمتاز بأنه عالم الله عالم الملكوت من يقصده إنما ليعيش الملكوت فيه ابتداء من هذه الأرض، وقد حق أن يدعى لذلك مسكن العلي وأن يقال عنه إنه مكان مقدس، أي مكان يجد المرء فيه أشياء لا يجدها في الخارج ويرى ويسمع أشياء لا يراها ولا يسمعها في الخارج تدعوه إلى أن يترك كل اهتمام دنيوي ولا يهتم إلا في ما لله عملا بطلب الرسول بولس: (اهتموا لما هو فوق لا لما هو على الأرض لأنكم قد متم للعالم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله) (كول3: 2-3)".
اضاف: "متنا للعالم وحياتنا مستترة مع المسيح في الله. هذا ما فعله آباؤنا الأولون الذين أسسوا الرهبانية الباسيلية الحلبية لما أتوا في مرحلة أولى إلى دير السيدة في البلمند ، وفي مرحلة ثانية إلى دير يوحنا الصابغ في الخنشارة. كانوا أربعة، جميعهم من حلب، غادروها وهجروا العالم طلبا لعيش الحياة الرهبانية، لعيش الملكوت بعيدا عن الهموم الدنيوية في مكان يروي ظمأ الشوق الإلهي الذي كان يسكنهم وتحولوا إلى لابسين لله كما تصفهم الكنيسة في صلواتها رامزين إلى هذا التحول باللباس الرهباني. وما لبثت مؤسستهم أن نمت وتوطدت وأضحت عماد الكثلكة في الكنيسة الأنطاكية نظير الرهبانية الباسيلية المخلصية. وإذ نستذكر في هذا العام 2024 ما حصل في العام 1724 وما كان حصل قبله وسببه بقدر كبير وكانت حصيلته كنيسة رومية أرثوذكسية وكنيسة رومية كاثوليكية في أنطاكية، لابد من الإقرار والتأكيد أن الرهبانية الباسيلية الحلبية كان لها الفضل في توطيد وانتشار أبنائنا وفي مرافقتهم وخدمتهم حتى اليوم، وقد اضطرت بهذا الفعل إلى الخروج عن النمط الرهباني التقليدي الصرف إلى خدمة الرعايا، إلى الرسالات، في شتى المناطق إذ لم يكن بعد في كنيستنا إكليروس أبرشي عدده كاف وعلمه واف، فاضطرت، مع شقيقتها الرهبانية الباسيلية المخلصية، إلى سد النقص ولجأت إلى إنشاء المؤسسات التربوية والطبية والاجتماعية وغيرها. ولهما في ذلك فضل كبير".
وقال: "فرحت لما قيل لي لنذهب إلى بيت الرب، إلى دير المخلص في صربا. عندما نقول دير المخلص، نقول الرهبانية الباسيلية الحلبية. هذا الدير الذي اتخذ من تجلي الرب يسوع على الجبل عيدا هو رمز ومثال لما هي عليه أو يجب أن تكون عليه الأديار: قمة للتجلي. ذلك بأن الذي يؤمه إنما يؤم جبل التجلي، يصعد إلى جبل التجلي ليلاقي الرب يسوع، ليرى نوره، ليسمع كلامه، ليتأمل مجده فتطيب له الإقامة هناك وينشد: حسن لنا أن نبقى ههنا. طيب الإقامة، حسن البقاء هو العلامة على أن الراهب بلغ الغاية التي قصد الدير من أجلها. إذا أردنا أن نعرف هل نحن حقا مع يسوع علينا أن نرى هل نحن نشعر بطيب الإقامة معه. إن لم يكن الأمر كذلك فنحن في المكان الخاطئ أو بالأحرى أخطأنا المكان. طيب الإقامة لا أقول في الدير بل مع يسوع. إن لم يكن يسوع متجليا في الدير فلا معنى للإقامة فيه أو لا يعود هو المكان الصالح، أو نكون نحن عمليا في مكان آخر. من أجل ذلك، بالإضافة إلى ما قاله بطرس ليسوع في التجلي علينا نحن أيضا أن نردد للرب يسوع ما قاله له في موضع آخر: "إلى من نذهب يارب فإن عندك كلام الحياة؟" و"يارب أنت تعلم أني أحبك".
اضاف: "يتساءل البعض هل بعد من حاجة إلى الحياة الرهبانية، إلى الرهبانيات في أيامنا الحاضرة؟ ألا يدل النقص الكبير المتزايد الحاصل في الدعوات الرهبانية على انتفاء الرغبة في اعتناق الحياة الرهبانية في الأوضاع المجتمعية الحديثة والتيارات الفكرية المعاصرة وعلى اندثار الرهبانيات بالتالي ولو شيئا فشيئا؟ ألا تنوب الحركات المسيحية العلمانية الجديدة مناب المؤسسات الرهبانية التقليدية؟ سؤالات وجيهة محقة ومن الأمانة الضميرية أن نطرحها. الجواب في رأينا كلا. الحياة الرهبانية حاجة في الكنيسة ولا شيء يحل محلها. حياة صعبة متطلبة بلا أدنى شك. لكن صعوبتها لا تبرر التخلي عنها. إنما اتباع المسيح في الأساس، إنما الحياة المسيحية العادية، صليب نحمله كل يوم كما أنبأنا الرب يسوع. الحياة مع يسوع جذرية، إما مع وإما على وقد تكون أزمة الحياة الرهبانية في الجمع بين المع والعلى. أضف إلى ذلك أن الرهبانيات ليست مدارس أو مستشفيات أو مؤسسات اجتماعية أو ما شابهها. الحياة الرهبانية تلبية لدعوة من السيد المسيح إلى أن نتبعه في ما يعرض علينا وما نسميه بالمصطلح المشورات الإنجيلية، تلبية لدعوة المسيح إلى أن نشهد للملكوت بهذه الطريقة. البعد العمودي، العلاقة مع الرب يسوع، هو القاعدة في الحياة الرهبانية وليس البعد الأفقي، العلاقة مع الناس. من هنا ضرورة الصلاة في الحياة الرهبانية، من هنا المكانة التي تحتلها الصلاة في الحياة الرهبانية. وعندما تهب عاصفة في مؤسسة رهبانية فلنبحث قبل كل شيء عن الصلاة: هل نصلي أم لا نصلي؟ عندما ننظر إلى الماضي وإلى الحاضر لا نرى فقط الخدمات الجلى التي قدمتها وتقدمها الرهبانية الباسيلية الحلبية لكنيستنا ولمجتمعاتنا المشرقية بل نتنسم أيضا وخصوصا عرف القداسة الذي فاح ويفوح من هذه الرهبانية. صروف الدهر أثرت بلا شك فيها وأضعفتها في بعض الأحيان وفي بعض الجوانب ونغصت صفوها وهناءها كما تفعل بأي مؤسسة أخرى، بيد أن هذه الصروف ليست سوى الآلام التي أنبأ بها الرب يسوع رسله عندما نزل من جبل التجلي والتي أنبأهم بأنه سوف يتحملها قبلهم فلا يتعجبوا منها ولا يخافوا لأنه سوف يقوم بعد ثلاثة أيام. القيامة حاضرة على الدوام في حياتنا. القيامة ممكنة ولا بد من أن تحصل وهي التي يجدر بنا أن نلتفت إليها ونفرح بها ونبشر بها".
تابع: "على ضوء هذه القيامة ، نرى أن الرهبانية الباسيلية الحلبية قد خدمت في معظم البلاد العربية وفي بعض بلاد الانتشار خدمة تركت أثرا في تاريخنا، ولها فضل كبير في المحافظة على الكنيسة الملكية بتقاليدها وطقوسها وتاريخها وموروثها وفضل في نموها وانتشارها. لمع العديد من أبنائها باللاهوت والفلسفة والقانون الكنسي والكتاب المقدس والموسيقى الكنسية مستثمرين مواهبهم ووزناتهم لخدمة كنيستهم ومجتمعاتهم بانفتاح كلي كما هي العادة في كنيستنا. وزودت الرهبانية كنيستنا برهبان كهنة ومطارنة وبطاركة ذوي فضيلة وبر وثقافة نفتخر بهم وكان لهم أثر حتى في الكنيسة الجامعة من مثل الكردينال أكاكيوس كوسا وخصوصا الذين شاركوا في المجمع الفاتيكاني الثاني. إن دل هذا على شيء فعلى أن الرهبانية الباسيلية الحلبية ما كانت وليست مرافقة لكنيستنا تعمل على هامشها بل هي جزء من كيان كنيستنا ومن حياتها. ونحن كلنا مدينون لها".
تابع: "الماضي والحاضر بما فيهما من ثراء وجمال وافتخار لا ينفصلان عن المستقبل ولا ينسيانا المستقبل. تفكيرنا يتجه إلى المستقبل. عمن نبحث في المستقبل؟ خيارات متنوعة مبسوطة أمامنا، إنما أيا يكن الخيار الذي نختاره، بأهدافه وأساليبه، لا بد في البداية من تذكر شيء أساسي جوهري: الدير هو بمثابة حجاب الهيكل من يدخل إلى ورائه يدخل إلى قدس الأقداس، إلى حضرة الله، ويصير مقدسا لله، مدعوا إلى حمل الصليب واتباع السيد المسيح كل يوم، على خلاف ما قد يعتقده البعض من أن الدخول إلى الدير هو طلب عيش أسهل وأنعم وخال من الهم والمسؤولية. ولابد أيضا من التذكر أن الدير إما أن يكون ثابورا وحرمونا، منارة، نقطة استفهام، بوصلة، وإما أن يكون نظير غيره الكثير من المطارح في العالم، مطرحا نكرة، غارقا في هموم العالم لا يشعر المار به أو الناظر إليه أنه يمر بشيء بأمر بشخص غير عادي أو يرى شيئا أو أمرا أو شخصا غير عادي، يجذبه إليه، على الأقل من باب الاستعلام والاستفهام، إذ طالما كان الاستعلام والاستفهام بداية مسيرة مع الرب يسوع".
وقال: "فرحت لما قيل لي لنذهب إلى بيت الرب. فرحت واشتد فرحي بأن أعلم أن عددا من الشباب قد بدأوا هذه المسيرة تحت أنظار آبائهم. حضورهم يدل على أن الرب يسوع لا يتخلى عن كنيسته، وأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها، وأن في الناس من يسمعون نداءه ويتركون كل شيء ويتبعونه بفرح من أجل إعلان الملكوت الذي جاء يبشر به. حضورهم يدل على أن الرب يسوع يستطيع أن يجذب إليه الناس ولا سيما الشباب شريطة ألا ننصب حاجزا بينه وبينهم بطريقة من الطرق. لنسهل لقاء يسوع بالناس وهو كفيل بمتابعة المسيرة".
وختم: "في هذا العام 2024 حيث تستذكر كنيستنا الملكية ما حصل في العام 1724 من انقسام وفرقة وتناء، بالصلاة والتوبة إلى الله وبتبين إرادته وبرغبة شديدة في استعادة الوحدة في كنيستنا الأنطاكية، نود باسم كنيستنا أن نوجه الشكر للرهبانية الباسيلية الحلبية على الكثير الثمين الذي قدمته خلال السنوات الثلاثمئة على مختلف الصعد ونسأل الله تعالى أن يفيض خيراته عليها وأن يدثر أبناءها بثوب القداسة ويزيدهم عددا لتستمر في أداء الشهادة الإنجيلية والشهادة للملكوت وفي عمل الرسالة والخدمة لتقود الناس إلى معرفة الحق والخلاص، مصلين من أجلها مع الكنيسة وقائلين: يا رب ، يا رب، اطلع من السماء وانظر وتعهد هذه الكرمة وأنمها لأن يمينك قد غرستها". آمين.