صعوبة العودة لبنانياً إلى ما قبل "7 أكتوبر"
هيام القصيفي
24 تموز 2024 06:39
كتبت هيام القصيفي في "الأخبار":
منذ أن انتهت حرب تموز عام 2006، يعيش لبنان على إيقاع وقف الأعمال القتالية التي نصّ عليها القرار 1701 الصادر في آب من العام نفسه. ومنذ 18 عاماً، يتعايش لبنان مع موجبات هذا القرار الذي أرسى قواعد تهدئة مشروطة. الاتفاق، الذي سرت مفاعيله لبنانياً، لم يأت في لحظة مفصلية تعيشها المنطقة كما هي الحال اليوم، في حين أنه بعد عشرة أشهر على حرب غزة، ثمة نزعة تعبّر عنها إيران وحلفاؤها في المنطقة، بأن المطلوب حتى الآن هو تلك المساحة بين العودة إلى مفهوم وقف الأعمال القتالية من دون النظر إلى تداعيات ما خلّفته حرب غزة، في وقت تراوح السيناريوهات بين الأسوأ، وستاتيكو الاستنزاف القائم الذي إن طال أشهراً إضافية طويلة من دون حل مفصلي، فستدخل المنطقة في مرحلة مختلفة عما عاشته حتى اليوم في ظل الصراع مع إسرائيل. وكل ذلك في ظل عدم وجود أي مسوّدة غربية أو إقليمية لما يمكن أن تقبل عليه المنطقة بدءاً من التصور المبهم لوقف حرب غزة، واليوم التالي لها.ما تريده إيران حتى الساعة هو القبض على نتائج ما حققته حرب غزة من دون دفع أثمان الحدث الذي وقفت إلى جانب حماس فيه، وأن يتغاضى خصومها عن مفاعيل ما أنتجته الحرب، فتعود المنطقة إلى مرحلة «وقف الأعمال القتالية» بمفهوم معمّم للقرار 1701، بحيث يطاول الساحات التي تأثّرت بها. وهذا ما ليس متاحاً حتى الآن، ولبنان معني في درجة أولى.
فالفكرة التي ترافق أي نقاش خارجي حول لبنان، تتعلق بمدى استيعاب لبنان الرسمي، وحزب الله، أن من السابق لأوانه الكلام عن العودة تلقائياً إلى ما قبل 7 تشرين الأول. وهذا يعني أن على الجميع الاقتناع بأن ما حصل في ذلك اليوم غيّر وجه المنطقة، ولا مجال لإعادة التفاوض والكلام عن تسويات من دون الأخذ في الاعتبار الحدث الذي أدخل المنطقة، لا غزة وحدها ولبنان معها، في مرحلة استراتيجية مختلفة عن السنوات السابقة، وفي مرحلة يتسارع فيها رسم الاستراتيجيات بسرعة وفق متغيرات تحضر من الولايات المتحدة إلى أوروبا وحرب أوكرانيا.
المشهد من الأردن إلى مصر وسوريا ولبنان يحمل في طيّاته ملامح تحولات وانهيارٍ داخلي بفعل ارتداد حرب غزة وعودة كل العوامل والتدخلات الخارجية العربية والغربية إلى الساحة. ومعها طبعاً الدور الإيراني الذي نشط بفعل وقوف طهران إلى جانب «حماس»، ومشاركة حزب الله في معركة الإسناد. وما يقال في النقاشات أن دولاً تأثرت بفعل ما حصل والتهجير من غزة والتفاعلات الاقتصادية والأمنية، تتعامل بواقعية على أن المطالب المطروحة قد لا تجد طريقها إلى التنفيذ، إسرائيلياً أو أميركياً. فأي إدارة أميركية جديدة لن تتصرف، مهما كان شكل نهاية حرب غزة، على أن شيئاً لم يحصل. فكيف الحال إذا كانت الإدارة الجديدة ستصبح في عهدة الرئيس السابق دونالد ترامب؟ وكيف الحال إذا كانت إسرائيل لا تريد وقف الحرب بأي ثمن لا في غزة ولا في لبنان، ولا في استعادة التهدئة في المنطقة من دون ثمن؟
وفي لبنان الأمر نفسه. فحتى الساعة لم يتخط الكلام عن التهدئة سقف ربطها بوقف حرب غزة والعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل 7 تشرين، بدليل الأجوبة اللبنانية العلنية وتلك التي تسرّبت من جولات الموفد الأميركي عاموس هوكشتين. لكن هذا ليس واقع الحال غربياً أو إسرائيلياً. فأي كلام يتعلق بالجنوب والتهدئة المستدامة فيه من الصعب حتى الآن التعامل معه على أنه سيبقي الوضع الجنوبي تحت سقف العودة الطبيعية إلى القرار 1701 والقفز فوق كل ما أحدثه دخول حزب الله على خط الإسناد. لا بل إن الذهاب مرة تلو أخرى إلى تأجيل البحث الجدي في وضع الجنوب يرسم توقعات مستقبلية، تنتظر المتغيرات الأميركية كما الإمكانات الإسرائيلية بعدما بلغت التحذيرات ذروتها في استهداف لبنان.
لا مجال وفق ذلك لاستئناف المفاوضات من حيث كان الوضع عليه قبل الترسيم البحري وبعده. ومشاركة حزب الله في حرب غزة غيّرت النظرة إلى واقع استتباب الأمن شمال إسرائيل، وغيّرت معها تعامل دول غربية ناشطة على خط العلاقة مع حزب الله. لكن، في المقابل، لا يعني ذلك أن الأطراف الأخرى ستقف على الحياد في السعي إلى إعادة الوضع إلى غير ما كان عليه، ولا سيما الدور الإيراني الذي يتقدم منذ 7 تشرين الأول، تهدئة ومن ثم تصعيداً فرفعاً للصوت مجدداً، ومن ثم العودة إلى التهدئة مستدرجاً عروض الاتصالات قبل الدخول في الحوارات الأكثر عمقاً وتشعباً حول قضايا النووي وساحات المنطقة. هذا كله قبل أن يقترب استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وإذا كان حزب الله أظهر في الأشهر الماضية إمساكه بقبضة التفاوض، فإن الواضح أن معارضيه في الداخل باتوا مقيّدين بحركته وقدرته على فرض أمر واقع، يتعلق بإدارته لعبة فرض شروطه والتفاوض مباشرة حيث تدعو الحاجة مع وسطاء أوروبيين وأميركيين عبر الرئيس نبيه بري أو عبر الحكومة. ومعضلة المعارضين اليوم أنهم باتوا أسرى عدم القدرة على إنتاج أي تصور لما بعد الحرب واليوم التالي لها. ولو أن حسابات المعارضين لحزب الله لا تؤخذ في الميزان حتى الآن، لأن النظرة الأشمل تتعلق بأن لبنان من ضمن الدول التي تنتظر تحولات كبرى ترسم حولها حدود التفاوض، في غياب أي تصور لحل نهائي بالنسبة إلى القضايا الإقليمية المتشابكة، فإما أن توقف الأعمال القتالية كما حصل قبل 18 عاماً من دون أي نظرة مستقبلية، وهذا مشكوك فيه حتى الآن، وإما أن تدخل في مساومة تطبيعية للوضع العام، تعيد بعد سنوات إنتاج مشهد جديد لحرب غزة ومعها حرب إسناد جديدة.
منذ أن انتهت حرب تموز عام 2006، يعيش لبنان على إيقاع وقف الأعمال القتالية التي نصّ عليها القرار 1701 الصادر في آب من العام نفسه. ومنذ 18 عاماً، يتعايش لبنان مع موجبات هذا القرار الذي أرسى قواعد تهدئة مشروطة. الاتفاق، الذي سرت مفاعيله لبنانياً، لم يأت في لحظة مفصلية تعيشها المنطقة كما هي الحال اليوم، في حين أنه بعد عشرة أشهر على حرب غزة، ثمة نزعة تعبّر عنها إيران وحلفاؤها في المنطقة، بأن المطلوب حتى الآن هو تلك المساحة بين العودة إلى مفهوم وقف الأعمال القتالية من دون النظر إلى تداعيات ما خلّفته حرب غزة، في وقت تراوح السيناريوهات بين الأسوأ، وستاتيكو الاستنزاف القائم الذي إن طال أشهراً إضافية طويلة من دون حل مفصلي، فستدخل المنطقة في مرحلة مختلفة عما عاشته حتى اليوم في ظل الصراع مع إسرائيل. وكل ذلك في ظل عدم وجود أي مسوّدة غربية أو إقليمية لما يمكن أن تقبل عليه المنطقة بدءاً من التصور المبهم لوقف حرب غزة، واليوم التالي لها.ما تريده إيران حتى الساعة هو القبض على نتائج ما حققته حرب غزة من دون دفع أثمان الحدث الذي وقفت إلى جانب حماس فيه، وأن يتغاضى خصومها عن مفاعيل ما أنتجته الحرب، فتعود المنطقة إلى مرحلة «وقف الأعمال القتالية» بمفهوم معمّم للقرار 1701، بحيث يطاول الساحات التي تأثّرت بها. وهذا ما ليس متاحاً حتى الآن، ولبنان معني في درجة أولى.
فالفكرة التي ترافق أي نقاش خارجي حول لبنان، تتعلق بمدى استيعاب لبنان الرسمي، وحزب الله، أن من السابق لأوانه الكلام عن العودة تلقائياً إلى ما قبل 7 تشرين الأول. وهذا يعني أن على الجميع الاقتناع بأن ما حصل في ذلك اليوم غيّر وجه المنطقة، ولا مجال لإعادة التفاوض والكلام عن تسويات من دون الأخذ في الاعتبار الحدث الذي أدخل المنطقة، لا غزة وحدها ولبنان معها، في مرحلة استراتيجية مختلفة عن السنوات السابقة، وفي مرحلة يتسارع فيها رسم الاستراتيجيات بسرعة وفق متغيرات تحضر من الولايات المتحدة إلى أوروبا وحرب أوكرانيا.
المشهد من الأردن إلى مصر وسوريا ولبنان يحمل في طيّاته ملامح تحولات وانهيارٍ داخلي بفعل ارتداد حرب غزة وعودة كل العوامل والتدخلات الخارجية العربية والغربية إلى الساحة. ومعها طبعاً الدور الإيراني الذي نشط بفعل وقوف طهران إلى جانب «حماس»، ومشاركة حزب الله في معركة الإسناد. وما يقال في النقاشات أن دولاً تأثرت بفعل ما حصل والتهجير من غزة والتفاعلات الاقتصادية والأمنية، تتعامل بواقعية على أن المطالب المطروحة قد لا تجد طريقها إلى التنفيذ، إسرائيلياً أو أميركياً. فأي إدارة أميركية جديدة لن تتصرف، مهما كان شكل نهاية حرب غزة، على أن شيئاً لم يحصل. فكيف الحال إذا كانت الإدارة الجديدة ستصبح في عهدة الرئيس السابق دونالد ترامب؟ وكيف الحال إذا كانت إسرائيل لا تريد وقف الحرب بأي ثمن لا في غزة ولا في لبنان، ولا في استعادة التهدئة في المنطقة من دون ثمن؟
وفي لبنان الأمر نفسه. فحتى الساعة لم يتخط الكلام عن التهدئة سقف ربطها بوقف حرب غزة والعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل 7 تشرين، بدليل الأجوبة اللبنانية العلنية وتلك التي تسرّبت من جولات الموفد الأميركي عاموس هوكشتين. لكن هذا ليس واقع الحال غربياً أو إسرائيلياً. فأي كلام يتعلق بالجنوب والتهدئة المستدامة فيه من الصعب حتى الآن التعامل معه على أنه سيبقي الوضع الجنوبي تحت سقف العودة الطبيعية إلى القرار 1701 والقفز فوق كل ما أحدثه دخول حزب الله على خط الإسناد. لا بل إن الذهاب مرة تلو أخرى إلى تأجيل البحث الجدي في وضع الجنوب يرسم توقعات مستقبلية، تنتظر المتغيرات الأميركية كما الإمكانات الإسرائيلية بعدما بلغت التحذيرات ذروتها في استهداف لبنان.
لا مجال وفق ذلك لاستئناف المفاوضات من حيث كان الوضع عليه قبل الترسيم البحري وبعده. ومشاركة حزب الله في حرب غزة غيّرت النظرة إلى واقع استتباب الأمن شمال إسرائيل، وغيّرت معها تعامل دول غربية ناشطة على خط العلاقة مع حزب الله. لكن، في المقابل، لا يعني ذلك أن الأطراف الأخرى ستقف على الحياد في السعي إلى إعادة الوضع إلى غير ما كان عليه، ولا سيما الدور الإيراني الذي يتقدم منذ 7 تشرين الأول، تهدئة ومن ثم تصعيداً فرفعاً للصوت مجدداً، ومن ثم العودة إلى التهدئة مستدرجاً عروض الاتصالات قبل الدخول في الحوارات الأكثر عمقاً وتشعباً حول قضايا النووي وساحات المنطقة. هذا كله قبل أن يقترب استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وإذا كان حزب الله أظهر في الأشهر الماضية إمساكه بقبضة التفاوض، فإن الواضح أن معارضيه في الداخل باتوا مقيّدين بحركته وقدرته على فرض أمر واقع، يتعلق بإدارته لعبة فرض شروطه والتفاوض مباشرة حيث تدعو الحاجة مع وسطاء أوروبيين وأميركيين عبر الرئيس نبيه بري أو عبر الحكومة. ومعضلة المعارضين اليوم أنهم باتوا أسرى عدم القدرة على إنتاج أي تصور لما بعد الحرب واليوم التالي لها. ولو أن حسابات المعارضين لحزب الله لا تؤخذ في الميزان حتى الآن، لأن النظرة الأشمل تتعلق بأن لبنان من ضمن الدول التي تنتظر تحولات كبرى ترسم حولها حدود التفاوض، في غياب أي تصور لحل نهائي بالنسبة إلى القضايا الإقليمية المتشابكة، فإما أن توقف الأعمال القتالية كما حصل قبل 18 عاماً من دون أي نظرة مستقبلية، وهذا مشكوك فيه حتى الآن، وإما أن تدخل في مساومة تطبيعية للوضع العام، تعيد بعد سنوات إنتاج مشهد جديد لحرب غزة ومعها حرب إسناد جديدة.